لا يختلف اثنان على أنه من حق الحكومة الاستعانة بأي جهة استشارية سواء داخلية، أو خارجية من أجل تقديم مشورة، مدفوعة الثمن بالطبع، في قضية ما أو مشكلة عامة معينة، وذلك على الرغم من أن مشاكلنا العامة باتت أسبابها معروفة، وطرق حلها كذلك، فالتراجع التنموي الذي نعانيه ليس بسبب نقص في الدراسات والاستشارات، بل إن سببه هو سوء الإدارة العامة، وعدم القدرة على اتخاذ القرار الصائب والرشيد، وذلك لأسباب عديدة من ضمنها ضيق قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات وصياغة السياسات العامة، ناهيك عن الشللية والمحسوبية، وانتشار الفساد في مؤسسات الدولة وأجهزتها.
البنك الدولي هو أحد الجهات الخارجية التي استعانت وتستعين بها الحكومة من أجل تقديم دراسات واستشارات حول بعض القضايا العامة، وهذا أمر لا خلاف عليه، حيث إن ذلك يأتي ضمن الأدوار التي يفترض أن يقوم بها البنك الدولي الذي تدفع الحكومة جزءاً من ميزانيته، ولكن الأمر المثير للاستغراب حقا هو الاستخدام الرسمي لاسم البنك الدولي في الآونة الأخيرة، في غير محله وبشكل غير مسبوق، حيث بات كبار المسؤولين في الحكومة والمجلس معا يتسابقون على تقديم "البشارة" للناس بأن البنك الدولي سيتولى حلّ مشاكلنا العامة على جميع المستويات سواء التعليمية، أو الصحية، أو الاقتصادية، أو التنموية، أو الإسكانية، بل حتى مشكلة عدم عدالة سلم الرواتب، أو قضية الدعم الحكومي بالرغم من أن البنك الدولي لا يملك إلا تقديم استشارات ودراسات فقط، قد تبقى في أدراج الحكومة كما حصل كثيرا من قبل، أو أن تنفيذها لا يتم بالطريقة الصحيحة إما لعدم واقعيتها لأنها غالبا ما تكون "وصفات" نيوليبرالية مُستهلكة يُسوّق لها البنك بصيغ مختلفة في كل مكان في العالم، بعد إدخال تغييرات طفيفة هنا وهناك، أو أنها لا تُنفّذ لأن أجهزة الدولة التنفيذية غير فاعلة.وإذا ما أخذنا في عين الاعتبار أن استشارات البنك الدولي ودراساته الخاصة لا تُعلن للعامة عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، إلا بعد الموافقة عليها من الجهة الرسمية الطالبة للاستشارة، أي الحكومة أو المجلس، فهذا يعني أن الاستشارة أو الدراسة ليست سوى رأي رسمي مُوجّه يختبئ خلف اسم منظمة دولية، وذلك على الرغم من الانطباع الذي تحاول حملة التسويق الإعلامي المرافقة للإعلان أن ترسخه في أذهان عامة الناس عندما تصوره، بعكس الواقع، وكأنه رأي محايد ومستقل للبنك الدولي!
مقالات
البنك الدولي وتسويق الرأي الرسمي
18-05-2015