«صح النوم»
ترشيد الإنفاق وتقليص مصروفات الوزارات لن يجديا نفعا ما دامت الحكومة مستمرة في تكديس المواطنين في القطاع العام المترهل والغارق في بحر البطالة المقنعة، وستزيد هذه المصروفات مرة أخرى وبشكل جنوني إلى حد الوصول إلى مرحلة لن تستطيع فيها الحكومة الالتزام بها حتى لو بلغ سعر البرميل 150 دولاراً.
قبل أكثر من ثلاث سنوات، وبالتحديد في 21 يوليو 2011 تمنيت في هذه الزاوية أن ينخفض سعر البرميل إلى 60 دولارا حتى يستفيق سياسيونا وينتبهوا إلى خطورة النهج التخريبي في زيادة الإنفاق العام على الاستهلاك وتدليع الشعب دون أي إنتاج يذكر. اليوم وبعد أن انخفض سعر البرميل إلى 55 دولاراً، مما يعني انخفاض سعر البرميل الكويتي إلى 50 دولارا تقريبا بسبب الخصومات التي تمنحها مؤسسة البترول للمشترين بسبب شدة التنافس على التسويق، نرى بوادر استيعاب لحجم المشكلة التي حذرنا منها مرارا وتكرارا، لكنها حتما ليست بالمستوى المطلوب. فمجلس الأمة يتحدث عن ترشيد الإنفاق وخلق مصادر بديلة للدخل غير النفط لكن دون أن يبادر بسن قوانين تساعد على تحقيق ما يدعو إليه، وغالبية نوابه يريدون استمرار تخدير الناس بإبر النفط المخدرة بدلا من مصارحتهم بأهمية تغيير نمطنا في الحياة وطريقة إدارة الدولة.الحكومة من جانبها بدأت بإجراءات للجم الإنفاق العام وترشيده، وذلك بعدم خلق هياكل تنظيمية جديدة في وزاراتها، وبتخفيض مصاريف التدريب المبالغ فيها وغيرها من مصاريف كانت معروفة بأنها تمثل هدرا لا مبرر له، لكنها مضت وبكل سلاسة بسبب ارتفاع سعر البرميل، لكن هذه الخطوات تعتبر خجولة ولا ترقى إلى حجم التغيير المطلوب في فلسفة إدارة الدولة بشكل عام، والتي باتت بحاجة إلى عملية جراحية بدلا من اللجوء إلى حلول ترقيعية لا تغني ولا تسمن من جوع.فترشيد الإنفاق وتقليص مصروفات الوزارات لن يجديا نفعا ما دامت الحكومة مستمرة في تكديس المواطنين في القطاع العام المترهل والغارق في بحر البطالة المقنعة، وستزيد هذه المصروفات (خاصة بند الرواتب) مرة أخرى وبشكل جنوني إلى حد الوصول إلى مرحلة لن تستطيع فيها الحكومة الالتزام بها حتى لو بلغ سعر البرميل 150 دولاراً، فهناك 500 ألف مواطن قادم إلى سوق العمل خلال العشرين سنة القادمة، وهذا يعني أيضا زيادة هائلة في طلبات السكن واستهلاك الكهرباء والماء اللذين يباعان بأسعار زهيدة جدا، فكيف سنستطيع خلق فرص وظيفية لهم والجهاز الحكومي يعاني فائضا في الموظفين يزيد ثلاثة أضعاف الحاجة الفعلية حسب كلام الوزير محمد العبدالله؟!إن الحكومة المتضخمة هي مثل رجل سمين يزن 150 كيلوغراماً لا يستطيع الركض وتصعب عليه الحركة وسيموت في القريب العاجل بسبب وزنه الزائد، وهذا بالضبط ما يحصل مع حكومتنا التي تحتاج إلى عملية تكميم عاجلة حتى تسترد عافيتها، وهذا يعني تخفيضا حادا في حجمها وأعداد موظفيها مع توجيه المواطنين للعمل في القطاع الخاص والأعمال الحرة المتنوعة حتى نقلل من اعتمادنا على العمالة الأجنبية، ونخفض من استهلاك الكهرباء والماء والبنية التحتية. وهذا العلاج بحاجة إلى سن الكثير من القوانين بحيث نضمن كفاءة الأجهزة الحكومية (بعد تكميمها) ومحاسبة مسؤوليها بالتزامن مع فرض ضرائب على الشركات تتناسب عكسيا مع حجم توظيفها للمواطنين، والأهم من هذا وذاك هو ضمان العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين الناس. كل هذه الأمور بحاجة إلى خطوات جادة اليوم قبل الغد، وبحاجة إلى شعب واع ينتخب نوابا مخلصين أمناء، وبحاجة إلى حكومة كفاءات ومنصفين تجمعهم رؤية موحدة ويتخلون عن المصالح الفئوية والطائفية الضيقة وليس كما هو موجود حاليا، ويبدو للأسف أننا بحاجة إلى استمرار انخفاض سعر البرميل إلى 20 دولارا حتى يعي الجميع ذلك.