هل حلت اللعنة على صندوق النقد؟
عبر اتفاقية مشتركة يتم اختيار شخصية أوروبية لمنصب رئيس صندوق النقد الدولي وشخصية أميركية لرئاسة البنك الدولي، حيث تتمتع الولايات المتحدة، التي تملك أكبر حصة من رأسمال صندوق النقد وحقوق التصويت في الصندوق، بسلطة الأمر الواقع والتعيينات فيه.
يسود اعتقاد في الأوساط المالية بأن صندوق النقد الدولي ربما أصيب بلعنة من نوع ما.بدايةً، نذكر أن الرئيس السابق للصندوق دومينيك ستراوس كان تورط في عملية عاطفية، ووجهت اليه تهمة تسهيل الدعارة، ثم تعرضت الرئيسة التي خلفته، كريستين لاغارد، وخلال عملها وزيرة للاقتصاد في فرنسا، الى تحقيق حول تهم تتعلق بالاهمال، وقد تعرض الآن رودريغو راتو الذي ترأس الصندوق قبل "ستراوس كان" الى الاعتقال في مدريد بتهم تتصل بواحدة من أربع عمليات اختلاس وغسل أموال.
أنا لا أظن، طبعاً، أن صندوق النقد الدولي يعاني تأثيرات سحر، ولكن السؤال هو أكثر من مجرد كلام بلاغي منمق، وكما يقول الصندوق نفسه فهو يعاني من مشكلة سمعة تنعكس على قدرته على القيام بعمله، ويضاعف من هذا الوضع الفضائح المتواصلة التي تحيط برؤسائه السابقين.وراتو، الذي يتحدر من عائلة اسبانية ثرية وارستقراطية، يواجه اتهامات في أربع قضايا مثيرة للجدل على الأقل، حيث يتعلق أحد تلك الاتهامات بمزاعم صدرت عن أمين صندوق سابق لدى حزب الشعب الحاكم في اسبانيا، وأشارت الى احتفاظه بأموال رشى لاستخدامها من قبل راتو وغيره من قادة الحزب. وتتمحور تهمة اخرى حول استخدام بطاقات ائتمان من قبل مديري بانكيا، وهي مجموعة اقراض تضم سبعة مصارف ادخار محلية في اسبانيا، وقد ترأسها راتو بعد مغادرته صندوق النقد الدولي، ويقال ان راتو استخدم بطاقته من أجل دفع 54800 يورو لأغراض السفر وشراء الملابس والترفيه.وفي قضية منفصلة مرتبطة بمجموعة "بانكيا" تحقق السلطات الاسبانية في مسألة قيام ادارة تلك المجموعة، عن عمد، بتضليل المنظمين حول أرباحها، ما ساعد على انهيارها وتحقيق عملية انقاذ بقيمة 22.4 مليار دولار. وفي الأسبوع الماضي تم اعتقال راتو لسبع ساعات كجزء من تحقيق آخر يتعلق بالأموال التي جلبها من حسابات مصرفية خارجية وهل كانت من أصول سليمة ومشروعة؟وينفي راتو كل التهم الموجهة اليه باستثناء تلك المتعلقة ببطاقة الائتمان، حيث قام بتعويض مجموعة بانكيا عن تلك المبالغ، وعلى الرغم من ذلك تحيط سحابة كبيرة من الشكوك حوله، ولم يسبق أن تعرض رؤساء صندوق النقد الدولي الى فضائح من هذا القبيل. وتقاوم كريستين لاغارد اليوم مزاعم تتعلق بالإهمال في قضية برنار تابيه الذي تلقى 403 ملايين يورو من الدولة الفرنسية بسبب أضرار لحقت به من قبل البنك المؤمم كريدي ليونيز في سنة 2008، وقد سمحت لاغارد، بوصفها وزيرة للاقتصاد يومذاك، بالتحكيم الذي أفضى الى تلك النتيجة، ولكنها أنكرت القيام بأي عمل مسيء.وتجدر الإشارة الى أن هذه العمليات لم تسهم في تحسين سمعة ومكانة صندوق النقد الدولي في وقت يضعف كثيراً من شعبيته فرضه لسياسات تقشف على دول مثل اليونان، كما أقر صندوق النقد في السنة الماضية بأن مشكلة صورته تجعل الحكومات تتردد في التوجه اليه طلباً للمساعدة.وتسهم قضية الشخصية التي تواجه معظم رؤساء صندوق النقد الدولي في الآونة الأخيرة في "الندبة" التي وردت في ورقة سياسة الصندوق، وبغض النظر عما إذا كانت السياسة القياسية للصندوق صحيحة فإن السؤال هو: هل النوايا الكامنة وراء قرارات التمويل التي يتخذها الصندوق فنية بحتة أم أن كبار المسؤولين فيه يمكن أن يتأثروا بمصالح سياسية لا تتعلق كثيراً بالإصلاح الاقتصادي في الدول المعنية أو بقدرتها على تسديد الديون؟وعبر اتفاقية مشتركة يتم اختيار شخصية أوروبية لمنصب رئيس صندوق النقد الدولي وشخصية أميركية لرئاسة البنك الدولي، وتتمتع الولايات المتحدة، التي تملك أكبر حصة في اجمالي رأسمال صندوق النقد الدولي وحقوق التصويت بسلطة الأمر الواقع والتعيينات فيه. وقد استمرت في عرقلة مقترح طرح منذ خمس سنوات من أجل اصلاح نظام الحصص والتصويت. ولو أن التغيير حدث لحصلت الدول الناشئة على دور أكبر في صندوق النقد والبنك الدوليين ولفقدت أوروبا والولايات المتحدة تأثيرها المعطل على التعيينات الادارية فيهما.يذكر أن راتو و"كان" ولاغارد ما كان لهم أن يحصلوا على مناصبهم من دون موافقة أميركية، ولذلك تطرح أسئلة حول امكانية تعرضهم لضغوط سياسية بهذا الصدد. وقد طرحت قضية اصلاح الحصص في اجتماعات البنك وصندوق النقد الدوليين السنوية التي عقدت في واشنطن في الأسبوع الماضي. وفي السنة الماضية أعلنت دول البريكس، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، عن تشكيل بنك تنمية خاص بها بقيمة 100 مليار دولار على شكل بديل صندوق النقد والبنك الدوليين. وتجعل المواقف المحرجة للرؤساء السابقين ومقاومة الولايات المتحدة للإصلاح من مشروع البنك الجديد مادة مغرية وجذابة بالنسبة الى الدول النامية، وقد وعدت دول بنك التنمية هذا بتسمية ممثلين للبنك في نهاية هذا الشهر وإطلاقه في مطلع العام المقبل.وعلى الرغم من أن هيمنة صندوق النقد الذي يملك 350 مليار دولار بدت راسخة فإن مشروع دول البريكس قد يباشر العمل بسمعة جيدة لأنه جديد، ولن يتأثر بفضائح سابقة وتأثيرات أميركية وأوروبية، والميدان مفتوح للمنافسة.* ليونيد بيرشيدسكي | Leonid Bershidsky