نستذكر مع الرعيل الأول تلك اللبنات التي وضعها جيل آبائنا لمنحنا بلداً نفتخر بماضيه وريادته في الثقافة والفن والمؤسسات المالية والاقتصادية، وفي الصناعة النفطية والعمران وتخطيط المدن، وفي تدشين مؤسسات الطيران الحديث والناقلات البحرية، وفي الرياضة وبناء الجامعات، وفي وضع أسس الحرية والديمقراطية.

Ad

عندما نذكر عبارة الرعيل الأول أو جيل الآباء والأجداد نجبر على الترحم عليهم، ونثني على خصالهم ومآثرهم الطيبة، ليس من باب أنهم يمثلون موروثنا الاجتماعي وامتدادنا التاريخي، ولكن لأنهم قدّموا لنا وطناً وأسّسوا مقومات دولة وبنوا مؤسساتها المختلفة، ولأنهم أخلصوا وأبدعوا وأنجزوا رغم كل المعوقات والصعوبات، فكانوا يعملون بلا نور الكهرباء ولا برودة التكييف، وينتقلون إلى مقر عملهم إما مشياً على الأقدام أو على ظهور الدواب أو باستخدام عربات بدائية، وكانوا يجتهدون في العراء وتحت أشعة الشمس الحارقة، أو على متن سفن خشبية تصارع الأمواج والعواصف، وكانوا يكافحون الفقر والعوز بمهن وصناعات يدوية؛ فعرفوا من بين ما عرفوا بعوائل تحمل الحداد والقطان والبزاز والقلاف وغيرها الكثير.

كما نستذكر مع الرعيل الأول تلك اللبنات التي وضعها جيل آبائنا لمنحنا بلداً نفتخر بماضيه وريادته في الثقافة والفن والمؤسسات المالية والاقتصادية، وفي الصناعة النفطية والعمران وتخطيط المدن، وفي تدشين مؤسسات الطيران الحديث والناقلات البحرية، وفي الرياضة وبناء الجامعات، وفي وضع أسس الحرية والديمقراطية.

ورثنا من جيل ما قبل النفط وبعده باقة من الأخلاق والفضائل والصفات، وفي مقدمتها الصدق والوفاء والتسامح والتعايش والتكافل والإخلاص والاحترام، وأخيراً التفاني والإخلاص والنزاهة، ولهذا نتباهى دائماً بالرعيل الأول ونستذكرهم بالخير، ونترحم عليهم، وندعو لهم، ونشكرهم شكراً وافراً على ما منحوه لنا.

لنتصور وضع أجيالنا القادمة بعد نصف قرن من الآن، وكيف يستذكروننا باعتبارنا رعيلهم الأول؟ فهل يدعون لنا بالخير؟ وهل من مآثر يتناقلونها عنا؟ وما الموروث الثقافي الذي سيتحدثون به عن تاريخنا وإنجازاتنا وقد كنا أغنى بقعة على الأرض، نتمتع بكل أنواع النعم، ونقضي صيفنا في ربوع أوروبا، ونركب أحدث السيارات وأغلاها، وكنا نخدم بالشغالة والسائق والطباخ والزراع، ولكن كنا مع ذلك نعمل ساعتين في اليوم، ويصاب عشرات الآلاف منا بالمرض المفاجئ قبل العطل الرسمية من أجل الطبيات وتمديد الإجازة، وكنا نبحث عن الواسطة لقضاء أي شأن من شؤون حياتنا، ومع ذلك تحولنا إلى أكثر الدول فساداً وأكثرها تخلفاً، وعدنا إلى قاع الركب في التنمية، وفي عهدنا تفشت ظاهرة شراء الشهادات العلمية وشراء الأصوات والنواب القبيضة والسرقات المليونية في المنشآت العامة، وفي أيامنا تفشت الجرائم الأخلاقية والترهل الإداري، وفي جيلنا انقسم شعبنا بين شيعة وسنّة وحضر وبدو، وصرنا نخوّن ونشتم بعضنا، ونتلذذ عندما يعاني الآخر، وشهدنا كل أنواع التزمّت والتطرّف، فهل مع هذا كله نستحق الشكر على كوننا الرعيل السابق أم يستوجب علينا الغضب واللعنة؟!