يقول رئيس قسم التصميم الغرافيكي في كلية التربية الفنية بجامعة حلوان في مصر الدكتور عادل عبد الرحمن إن «الديجيتال آرت» أحد أشكال الفن الحديث، وتندرج تحته مجموعة واسعة من الأنواع والفنون، تقوم بالوظائف ذاتها للأعمال التقليدية والكلاسيكية.

Ad

ساعد هذا الفن، بحسب عبد الرحمن، في ظهور الطفرة الهائلة في عالم التقنيات والبرامج المنفذة لأنواع عدة من الفنون الرقمية، ويشير إلى إسهامات الفنان دميان هيرست الذي كانت بداية أعماله في فن التصوير بالبقع الدائرية المنتظمة على سطوح بيضاء، وأجمع النقاد حينها أنها تعكس عالماً من السحر والصفاء في مساحات متسعة وإيقاعات منتظمة، أثبتت أن هذا المنتج ينتمي إلى وعاء الفنون حتى لو لم يتقيد بالأشكال التقليدية للفنون.

ويضيف عبدالرحمن أننا على المستوى العربي لدينا قامات كبيرة ومتميزة بأعمالها كهشام زريق، وهو مخرج وفنان تشكيلي فلسطيني يجيد تقديم نفسه عبر أعمال الحاسوب في أعماله التشكيلية، بالإضافة إلى نور الدين الهاني الرسام التونسي ودارس علم الجماليات، موضحاً أن المتابع لهذه الأعمال وردود الفعل حولها سيجد إعجاباً بالغاً بالمنظومة اللونية المستخدمة واعتمادهما على الإبهار البصري والمعاني والقيم.

ويختتم عبد الرحمن بأن كثيراً من أسهم النقد توجَّه إلى هذه الألوان الحديثة من الفنون، وعلى رأسها القول بافتقادها إلى {دراما الصورة} أو عدم تشكيل معنى كامل ومتماسك يستطيع أن ينقله العمل بمباشرة واضحة إلى الجمهور، وبإن القيمين عليها يرسمون لأجل {الشهرة} لا الفن. و{لكنني أرى أن تلك الأعمال أذابت الفوارق بين الأعمال الفنية العاجية أو النخبوية وبين الفنون الشعبية التي يتذوقها العوام، من دون الافتقاد إلى نزعات فلسفية تطرح أسئلة حائرة ومعاني صادمة وغير مألوفة في الثقافة البصرية}.

بدوره يقول الفنان التشكيلي مجدي الكفراوي أن المجال الفني أنجب كثيراً من نجوم الإبداع وقادة الفكر المختلفين بطول التاريخ، وعلى رأسهم جون كونستابل شاعر الرومانسية في الصورة البصرية الذي اشتهر بلوحاته في الريف الإنكليزي، والمعاصر له الفنان تيرنر الشهير بمناظرة المائية التي اختزل فيها الفضاء التصويري إلى سطوح تجريدية ومشخصات هامسة، مع محفوراته الرقيقة الممتلئة بالأضواء والظلال. وثمة أسماء كثيرة ابتعدت عن {الخط الواقعي} في أعمالها الفنية، ممن لجأوا إلى أعمال غير تقليدية تتعمق في دهاليز النفس البشرية من دون التقيد بالثوابت في المدارس الإبداعية والفنية.

بوابة الحداثة

ويمثل {الديجيتال آرت} من وجهة نظر الكفراوي {بوابة الحداثة} وأحد أعمدة التيارات الفنية التي تمتاز بالنقاء والطزاجة، والتي تقتنص صوراً من الحياة اليومية للإنسان وتقديمها في أكثر القوالب الفنية إثارة للدهشة والجدل، اعتماداً على ما يسمى بـ{الماسح الضوئي} أو البيانات الرقمية التي تستطيع أن تنفذ أعمالا يتقاطع فيها الفنان والعمل الفني والمتلقي، وبرعت في ذلك أسماء عدة ككاترين بلخوجة وجون بيار بالب.

اعتبر الكفراوي أن {فنون الديجيتال} امتداد لتاريخ الفن الطبيعي، حتى لو حدث معه لقاء بالتكنولوجيا إلا أنه يظل يعكس ثورة فنية قوامها إبداع ينتمي إلى العمل المركب والتجهيز في الفراغ، ويضيف أن ثمة مجموعة عرفت باسم {الفنانين البريطانيين الشباب} هيمنت على المشهد الفني في بريطانيا خلال العقد الأخير من القرن العشرين، وارتبطت مسيرتها منذ البداية بالأعمال الفنية الرقمية، وجمعت ثروات هائلة من مشاريعها الفنية، ما يعني أن ثمة {شرائح جماهيرية} قادرة على تذوق مثل هذه الأعمال والإقبال عليها.

قوة خاصة

يرى الفنان ومصمم الديكور مصطفى محمود أن ثمة قوة خاصة في الأعمال المعتمدة على الوسائط الرقمية، وأنها قادرة على حمل الرسائل كافة التي تقدمها الأعمال الأخرى الملتزمة كلياً بالمنظور التقليدي للفن، مشيرا إلى أن تجربته في هذا المجال لم تكن سهلة تماماً أو بغرض الشهرة، وأن الكثير من الأعمال التي تحفل بانفجارات لونية منتظمة تلتزم بنظام تصويري معقد يقتبس الكثير من القواعد الهندسية لضبط لوحات قد تتطلب إحكام الخطوط من المركز إلى محيط اللوحة، موضحاً أن الأمر ليس {عبثياً} كما يتصور البعض.

ويضيف محمود أن {الديجيتال آرت} أسقط الحدود الفاصلة بين الفنون البصرية، ونرى فيه احتشاد عناصر عدة من مختلف الفنون كالعمارة والنحت والتصوير والفوتوغرافيا، مع فنون الميديا الحديثة كالفيديو والصوت وفن الأداء والكومبيوتر، وأن هذا الاتجاه ظهر في أواخر الستينيات من القرن الماضي في الولايات المتحدة تحت مسمى {إنستاليشان} أو التجهيز، وفي أوروبا الـ{الديكومنتا} أو المعرض الوثائقي بإحدى المدن الألمانية مساحة ومجال متسع للتجهيز، وهو معرض دولي يقام كل خمس سنوات بدأت أولى دوراته في العام 1955، ويعرض كثيراً من الأعمال المركبة التي تعكس أحدث صيحات الفن ضمن مشاريع فنية ضخمة.

ويستطرد محمود أن أعمالاً كثيرة لرواد هذا الفن تتضمن طابعاً فلسفياً يجمع بين الفن والتقنيات التكنولوجية الحديثة، ونستطيع أن نرى نفاذ هذه الأعمال إلى حياتنا اليومية عبر أدوات موسيقية يلجأ إليها الشباب، ونراها مرصعة على حقائب النساء وكراسي الشاطئ وزجاجات العطر والآواني والأطباق، وقريباً ستكون تلك الأعمال كاسحة في مجال الدعايا وعصر الميديا الحديثة.