معارضو المالكي لا يزالون ملاحقين أمام المحاكم
القضاء العراقي «لا يصدق أنه مستقل» وصراع علماني ــ إسلامي يعرقل قانونه
رغم أن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي غادر منصبه كرئيس للسلطة التنفيذية منذ نحو خمسة أشهر، فإن عدداً من أبرز معارضيه مازالوا غير قادرين على دخول بغداد، أو يواجهون احتمالات أن يجري اعتقالهم في أي لحظة، أو يقبعون خلف القضبان بالفعل، وذلك بسبب قضايا رفعها المالكي ضدهم في السنوات الماضية، واعتبرت على نطاق واسع، كيدية ومسيسة وجزءاً من صراعه مع الخصوم.وباستثناء ملف البنك المركزي ووزارة الاتصالات، وهي معارك شهيرة خاضها المالكي للسيطرة على ملف المال وأدوات التجسس على الأحزاب، لم تغلق أي قضية كبيرة يهتم بها الرأي العام، وقد جرى ترتيب إجراءات قام بها مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي لتسوية ملفي محافظ البنك المركزي سنان الشبيبي ووزير الاتصالات الأسبق محمد علاوي، وحضر كل منهما إلى بغداد، ومثلا أمام محكمة قامت بتبرئتهما من الاتهامات التي لفقها المالكي.
وعدا هذا، فإن معارضين بارزين بقيت قضاياهم معلقة، مثل وزير المال الأسبق رافع العيساوي، وهو من أهم القيادات السياسية في الأنبار، ورئيس هيئة النزاهة السابق رحيم العكيلي، وهو من القضاة المرموقين القلائل الذين حظوا بتقدير سياسي نتيجة مواقفهم الواضحة المناهضة لسياسات المالكي. ومثل الشيخ صباح الساعدي رجل الدين الشاب المعروف بمشاكساته في البرلمان، فضلاً عن صحافيين بارزين مازالوا غير قادرين على العودة إلى بلادهم لوجود أوامر حبس بحقهم بتهمة «إهانة رئيس الوزراء».ويشعر هؤلاء أن كبار القادة السياسيين انشغلوا بجمع مكاسب الوزارات وعقود تأتي بمال وفير وصفقات لا تحصى، بينما تخلوا عن معارضين بارزين لسياسات المالكي ولم يتابعوا قضاياهم، ويقولون إن استثناء الشبيبي ومحمد علاوي جاء بسبب انتماء الرجلين إلى عائلات عريقة نجحت في الضغط على مراكز القوى لتسوية وضعيهما، بينما بقي المعارضون الآخرون منسيين بلا مبادرة حقيقية لتسوية أوضاعهم. ويقول ناشطون وحقوقيون إن بقاء هؤلاء تحت رحمة الملفات القديمة أمر يثير الإحباط لدى شريحة واسعة من أنصارهم، كما أنه يضرب مثلاً سيئاً لتقاليد معارضة السلطة وقواعدها، ومدى الحماية التي يمكن أن تتوافر لـ»سليطي اللسان» في اللحظات الصعبة من عمر النظام السياسي.والأخطر من كل ذلك أن التلكؤ في تسوية وضع المعارضين البارزين يرافقه بقاء عشرات الآلاف من المحتجزين والمعتقلين في ظروف سيئة، بينما جرى الاتفاق في ورقة المنهاج الوزاري على إعادة محاكمة كثيرين منهم، يقولون إنهم أدلوا باعترافات تحت التعذيب في عهد المالكي، وإنهم تعرضوا لتمييز طائفي أثناء المحاكمات.وفي النهاية، يطرح التلكؤ نفسه تساؤلات بشأن نفوذ المالكي الذي يفترض أنه تضاءل بعد خمسة أشهر على خروجه من الحكومة، بينما توحي مؤشرات كهذه بأنه لايزال نافذاً في أجهزة القضاء.ويرجح الفريق المناصر للإصلاحات السياسية أن القضاء العراقي الذي تعود على «خدمة الأنظمة المستبدة» لا يفهم حتى الآن معنى الاستقلالية التي كفلها دستور 2005، ويشير إلى أن إصلاح المحاكم يتطلب تشريعات كثيرة، بينها قانون للمحكمة الدستورية ومجلس القضاء الأعلى.ويذكر هذا الفريق أن المالكي استغل تأخر البرلمان في تشريع هذه القوانين المهمة، وراح يتدخل في شأن القضاء، بينما ظل المجلس التشريعي يعجز عن تحقيق تقدم لأسباب يعود معظمها إلى نزاع بين العلمانيين والإسلاميين حول أعضاء المحكمة الدستورية الذين يجب أن يكون نصفهم من فقهاء الشريعة، حسب الدستور، ما يثير جدلاً بشأن تفاصيل ذلك وكيفية اختيار الفقهاء ودرجتهم العلمية وآلية توزيع العضوية بين الطوائف، وهو ما يثير قلق العلمانيين من تدخل مشرعن للفقهاء في السياسة.