تحلق الأديبة والفنانة التشكيلية الإماراتية ميسون صقر في فضاء الإبداع العربي بجناحي الفن التشكيلي والكتابة الأدبية. تكتب الشعر والرواية والقصة بروح الفنانة التشكيلية وترسم اللوحة بروح الكاتبة الأديبة. في معرضها الأخير في القاهرة، تتلمس جوانب الإبداع في مختلف أجناسه ويستعيد معه جمهورها مراحل تطورها الفني.

Ad

«الجريدة» التقتها على هامش معرضها الاستعادي والذي ضم نماذج لمراحل فنية عدة.

يأتي معرضك الاستعادي في مركز الجزيرة للفنون بعد غيبة طويلة عن الفن التشكيلي. لم كانت الغيبة ثم العودة؟

جاء المعرض بعد توقف ثماني سنوات. قدمت قبله معرض «فيديو آرت» بعنوان «خيط وراء خيط». كانت الغيبة لانشغالي بالإعداد لهذا المعرض مع الكتابة، ومن ثم كان لا بد قبل عرض الأعمال الجديدة من تذكير الناس بما سبق من لوحات، خصوصاً أن الكثير لم يشاهد التجربة كاملة. اخترت أعمالاً من ثلاثة معارض أساسية، هي «الآخر في عتمته»، و{الوقوف على خرائط الرومانسية» و«جناح طائر»، الذي عُرض في باريس، ثم وضعت بعض لوحات الأبيض والأسود والتي تمثل مرحلة معينة، ولم أنس التذكير بالفيديو آرت.

يضم المعرض وسائط متنوعة. إلى أي مدى يشغلك البحث والتجريب على مستوى الرؤية والمادة؟

اللوحة هي أساس العمل الفني، مثل اللغة في الشعر والأدب. التعامل مع الخط واللون على مساحات بيضاء، لكن في لحظة ما لا بد من أن يتحرَّر الفنان من ذلك كله ويدخل إلى حد ما في التجريب بعد معارض عدة ليدخل إلى وسائط جديدة، خصوصاً أن ذلك كله يأتي بهدف إيصال فكرة يجب مشاهدتها بالعين وهي تتحرك أمام الفنان.

اشتغلت على {خيط وراء خيط}، وفيه فتاتان تتبادلان حجابهما وذلك لتثبيت فكرة التسامح الديني، بمعنى أنهما إذا استبدلتا الحجاب فلن نعرف من فيهما المسيحية ومن المسلمة. هذا بالنسبة إلى الفيديو في مقابل فكرة التفاحة، والتي هي أساس الغواية، حيث أشير إلى ضرورة وضع المرأة في إطار مختلف عما هي عليه.

استخدمت الوسائط الجديدة، فكيف ترين صمود اللوحة الفيديو آرت؟

ستصمد اللوحة بالطبع لأنها أساس الفن التشكيلي، سواء كانت تشكيلية أو تصويراً. قد تدخل عليها تجديدات عن طريق الطباعة والكمبيوتر، ما يجددها في ذاتها وليس بشكل آخر. اللوحة تصمد ولكن في سياق تجديد أدواتها. أما الفيديو آرت فالتجريب فيه هو مجال آخر كمجالات التشكيل الآخرى.

ولكن كيف يشكل الفنان حواراً بصرياً بين جمهور عادي وبين نخب المتأملين في روح اللوحة؟

إذا كان مهتماً سيشكل هذا الحوار. اللوحة نفسها تقوم على فكرة الحوار البصري. من الصعب أن يشرح الفنان ما يحدث داخل اللوحة، اللوحة نفسها هي التي تقوم بذلك الحوار عن طريق الألوان والخط والمساحات والتركيب.

ثمة حوار بين المبدع ووسيط إبداعه، كيف تتواصلين مع اللوحة؟

يرسم الفنان اللوحة لأن جزءاً منه لديه رغبة في توصيل أفكاره اللونية والأدبية، ذلك من خلال الألوان و«اللعب} الفني، أي وضع الخط والرسومات وتكوين شيء خارج  وجوده. وبمجرد أن يمسك الفنان بلوحته يبدأ التواصل بينهما.

مع ضربة أول فرشاة، هل تستطيعين تحديد مسار اللوحة؟

أحياناً يحدد الفنان مسار اللوحة من لحظة بدء العمل فيها، في حين يدخل البعض إلى لوحته بفكرة جدلية. ثمة لوحات تتكوَّن معي خلال عملي عليها، وثمة أفكار تأتي بالمصادفة أضع لها نسبة 20% من اللوحة.

في ظل ممارستك الفن التشكيلي، كيف ترين العلاقة بين الكتابة والرسم؟

بدأت ممارسة الفن التشكيلي منذ فترة طويلة. كان شقيقي ووالدي يرسمان، وعلمني الأخير رسم الحصان العربي. للقلم ضرورة أخرى غير الكتابة، والرسم جزء منه فيه متعة وطفولة وفرح أكثر من الكتابة.

 الكتابة مباشرة تأخذنا من العمق ولا نستطيع أن نختبئ فيها، فيما يمكن الاختباء في الرسم من دون أن يفسره أحد. اللوحة التشكيلية قد تختبئ في الألوان والخط والتشكيل إذا لم تكن مباشرة. كذلك يلازم الكتابة نوع من التلصص ونظرة إلى ما تفعله المرأة.

ولكن التواصل واضح وعميق بين المجالين. فتح الرسم لي آفاقاً في الكتابة وفتحت الكتابة موضوعات واهتماماً بالرسم بشكل كبير. والكتابة تحتاج إلى لون وحركة وحرية والتواءات، يستطيع الرسم أن يفعلها داخل اللوحة، وتحتاج الأخيرة إلى لغة وموضوع وثقافة تتشكل بهاـ

لماذا تميلين إلى التجريد؟

لا أستطيع أن أكتب قصيدة النثر، ثم أرسم بشكل تقليدي لأني في النهاية أجرب، فأنا حداثية وفكرة التجريب تعني كمية من الحرية واللعب باللون أكثر من فكرة التشكيل. وفي مجال التجريد، تتُاح الفرصة لتكوين لوحات عدة من الشكل الواحد. كذلك ثقافتنا التجريدية في العالم العربي قليلة جداً على عكس ثقافة التشكيل البصري التقليدية القديمة. عموماً، يبحث الإنسان عما هو قريب إلى نفسه والتجريد يشبهني.

تبدي الفرشاة توتراً داخل اللوحة، والخط أيضاً، فما دافعه؟

يهمني هذا التوتر إلى حد كبير. ليست اللوحة مجرد خوطوط ناعمة وطويلة بل فيها خشونة وتوتر، ما يعزز فكرة الحرية والتخلص من الأشياء كافة، اللاوعي وما وراء الوعي النفسي للفرد. أعمل هنا على فكرة الموت.

حوَّل كثير من الشعراء أعمالاً فنية إلى شعر أو العكس. هل قدمت هذه التجربة باعتبارك تمارسين هذين النوعين الإبداعيين؟

فعلاً، قدمت ديواني شعر، كتاباً ورسماً، وهما {السرد على هيئتي} و{الآخر في عتمته}. كيف يكون الآخر معتماً، ولكنه مضيء داخل اللوحة؟ فكرة العمل على الهامش داخل النص الشعري، ما يشير إلى أن الهامش يكون أحياناً أهم من عمق اللوحة. لا أركز هنا على العمق والبناء وإنما على الهامش، على عكس الكتابة حيث نكتب، وندع الهامش للصفحات الأخيرة.

تعملين في أكثر من وسيط إبداعي، ألا يشتتك هذا الأمر؟

لا أتصور وجود تناقض بين المجالات الإبداعية. ولكن أقدم كل مجال إبداعي على حدة في فترة معينة. لا أرسم لوحة أو أصدر ديواناً كل يوم. أرى الفن كالأواني المستطرقة. أعمل على أفكار، والفكرة قد تكون داخل وسيط فني أو سردي. أتناول الهامش والمتن، العلاقة بين الرجل والمرأة... وطوال الوقت لدى المبدع أفكار يكونها داخل وسائط متعددة. حتى إن الفنان لا يعمل بالفن ليل نهار، بل يهتم بمجالات أخرى أيضاً.

كالفنون كافة تتطور قصيدة النثر، وهي الأنسب لهذا العصر؟ كيف ترصد ملامح هذا التطور؟

حسب تصوري أن لقصيدة النثر مؤسسين، ثم تغيرت هذه الفكرة وانتقلت إلى فكرة المؤسسين الكبار لهذه القصيدة إلى الكتابة البسيطة، كتابة الذات والغوص في الأمور الصغيرة. أن تكتب قصيدة نثر بعد الثورة لا يعني أنك تكتب عن الذات، ولكن يمكنك أن تكتب الأحداث الكبرى. أصبح من الممكن أن تتحوَّل هذه القصيدة من قصيدة عادية مكونة من سطرين أو أكثر إلى قصيدة تحمل طيات الآلم الإنساني بكامله. هذا من ناحية الشكل. أما بالنسبة إلى المعنى، فأصبحت لها أسماء جديدة غيرت فيها. لم تصبح وجدانية فحسب أو ذات منحى محدد، ولكنها انفتحت على أسماء أخرى تدعو إلى الكتابة الأقرب إلى الدهشة مما كانت علية الفترة الماضية.

ماذا عن روايتك الجديدة؟

الرواية عن فكرة صيد اللؤلو والبحر. مزجت فيها بين مصر والإمارات. كذلك أتحدث عن الحس الإنساني لدى شخصيات تعاني أزمات داخل مجتمع البحر، وأستعد لرسم لوحات جديدة.