«ومن الحب ما قتل»
الفرق بين النخب عند الغرب وما يسمى عندنا بالنخب شاسع، فهم شركاء في صناعة الحضارة من خلال النقد البناء وتصويب الخطأ، أما من عندنا فهم معاول هدم تخصصت في الرقص على جراح الشعوب، تنادي بالحرية والديمقراطية في مكان وتبارك للدكتاتورية في مواقع أخرى.
يقال إن أحد العشاق كتب شطر بيت على حائط يطلب النصيحة من المارة، ولحظه العاثر قرأه الأصمعي فرد عليه بأبيات شعر كانت كفيلة بإنهاء حياته بفضل نصائحه، ومنذ ذلك اليوم صار مثلاً "ومن الحب ما قتل"، يتداوله العاشقون والشامتون بالحب.اليوم عندنا ملايين على شاكلة الأصمعي نصائحهم لشباب بحمل السلاح، والخروج إلى ساحات القتال تحت شعار الحرية الزائف، الذي لم يخلف وراءه سوى الأيتام والأرامل والثكالى من الأمهات، فيا ليت شعر الأصمعي ظل على الجدران، ولم يطل علينا من كل حدب وصوب، ويا ليته لم يلبس عباءة الدين أو بدلة الليبرالية المزيفة، ويا ليته صدق مع نفسه ليخرج وبمعيّة أولاده وأحبائه إلى الصفوف الأمامية من خطوط القتال؛ ليعرف ويتعرف على ما جناه شعره المصبوغ بالدولار وبكل أشكال الدجل.
هناك فئة أخرى "وراء الخيل يا شقراء"، يكتبون عن القيم في حين تمتلئ حياتهم بالمغامرات التي يخجل منها عفريت الجن وشيطان الإنس، ومع ذلك تجدهم في الفتنة حاضرين يتخيلون نفسهم "مانديلا". المحزن ليس وجود هؤلاء من عشاق الدم، لكن المستغرب غياب أهل العقل والنخب عن أداء دورهم في حقن دماء الأبرياء عبر تقديم النصيحة، فلا صوت لهم مع أن صوت الحق أمضى من صوت الباطل. المقولة المشهورة لشيخ الإسلام محمد عبده عندما ذهب إلى مؤتمر باريس عام 1881 وفي عودته من بلاد الغرب "ذهبت للغرب فوجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين، ولما عدت للشرق وجدت مسلمين ولكن لم أجد إسلاماً"، هذه العبارة قالها عندما كانت القاهرة من أجمل مدن الدنيا، ولم تكن الحروب الطائفية دخلت شوارع سورية والعراق، ولم يكن هناك لا ظواهري ولا بغدادي، فيا ترى ماذا كان سيضيف شيخنا الجليل إلى تلك العبارة لو كان حاضراً في هذا الزمان؟ وهل كانت ستغريه القصور والهدايا؟الغرب الكافر عرف بأن العدل أساس الملك، وأنه رحى التقدم والحضارة، فعندما يتحرك ويتظاهر لا تجد عبارة إسقاط دولة في قاموسه، فهي بالنسبة إليه خط أحمر، إنما تجد حراكه ينصب نحو تطبيق القانون وتحقيق العدل.الفرق بين النخب عند الغرب وما يسمى عندنا بالنخب شاسع، فهم شركاء في صناعة الحضارة من خلال النقد البناء وتصويب الخطأ، أما من عندنا فهم معاول هدم تخصصت في الرقص على جراح الشعوب، تنادي بالحرية والديمقراطية في مكان وتبارك للدكتاتورية في مواقع أخرى."انظر للقاتل ولا تنظر للمقتول كي تعرف بأي اتجاه وأي موقف تجد نفسك"، مقولة تبين انحراف تفكير الشارع عن طريق الحق بعد أن ملأ الحقد والتعصب قلبه، فهو لا ينظر إلى حجم الدمار الذي يخلفه القاتل بقدر ما ينظر إلى القاتل إن كان يمثله، وعليه كلنا نشارك في ظلم الشعوب.ودمتم سالمين.