ما جرى لثلاثة من العرب في "تشابل هيل" في ولاية كارولينا الشمالية هو الهاجس الذي يؤرق ليالي العرب والمسلمين ونهاراتهم في الغرب الأوروبي كله والولايات المتحدة، حيث غدت "العنصرية" متفجرة، وتُمارَس بأبشع أشكالها، وهذا لا يعني أن علينا أن نرد على أساس: "العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص"، فالتسامح يجب أن يفرض نفسه، وعلينا ألا نعزز ما في رؤوس الأوروبيين والأميركيين وأفئدتهم بأن "داعش" هو الإسلام، وهو العرب بصورة عامة.

Ad

قبل يومين تحدثت الـ"سي.آي.أيه" الأميركية أن عشرين ألفاً من الشباب الغربيين من أصول عربية وإسلامية التحقوا بـ"داعش"، وأنهم يقاتلون الآن في صفوفه، وبالطبع فإن هذه التقديرات قد تكون صحيحة، وهي في أغلب الظن صحيحة، لكن ما يجب التركيز عليه هو الأسباب التي دفعت هؤلاء الشبان إلى مغادرة "بلدانهم" والالتحاق بهؤلاء الإرهابيين، وهم يعرفون أنهم إمَّا أن يتحولوا إلى قبور غير معروفة، وإما أن يعودوا بعاهات نفسية وجسدية لا شفاء لهم منها.

إنه غير مجدٍ، ونحن نبحث عن أسباب هذه الظاهرة، أن نلقي بالمسؤولية على المجتمعات الغربية والدول الأوروبية الاستعمارية، فهذه أمور أصبحت في ذمة التاريخ، ولا يجوز أن نجعلها تتحكم في حاضر ومستقبل علاقات العرب والمسلمين بهذه الدول وشعوبها، لكن، في محاولة لمعالجة هذه المسألة الخطيرة، لا بد من أن تكون هناك وقفة جادة لوسائل الإعلام ولمراكز البحوث وللجامعات هنا في منطقتنا وفي العالم الغربي.

إن المشكلة تكمن في أن فرنسا، على سبيل المثال، احتلت الجزائر قرناً واثنين وثلاثين عاماً، ولم تكتفِ بمجرد الاستعمار والاحتلال بل تمادت كثيراً، وألحقت هذا البلد الإسلامي والعربي بها ليكون جزءاً منها، لكنها لم تعط الجزائريين ولو الحدود الدنيا من حقوق الفرنسيين، وبقيت تعاملهم كأبناء مستعمرات عليهم أن يحاربوا حروبها بدون أن تعطيهم أياً من الحقوق التي يتمتع بها الفرنسيون في أي مجالٍ من مجالات الحياة.

هذه مشكلة، أما المشكلة الأخرى فإن الذين غادروا الجزائر، من "الحركيين" الذين انحازوا إلى المستعمرين ضد ثورة شعبهم، ورحلوا إلى فرنسا على أساس أنهم فرنسيون بقوا يعيشون كأقلية هامشية غريبة، وهذا ينطبق على الأجيال اللاحقة التي تعمق الشعور لديها، حتى بعد نصف قرن وأكثر، أنها بلا هوية، وأنها بلا أدنى حقوق، وأنه لابد لها من هوية أخرى ومن وطن آخر، وهذا ربما ينطبق على الأكراد والأتراك والعرب في ألمانيا وبلجيكا وبعض الدول الأوروبية.

وهكذا، ولأن هذه الدول لم تستطع "هضْم" هؤلاء اللاجئين، وبقيت تعاملهم كغرباء، فإن بعضهم وجد الخلاص في الالتحاق بـ"داعش"، وبعض التنظيمات الإرهابية الأخرى، وهذا يفرض على الدول الغربية المعنية، منعاً للمزيد من تفجُّر ظاهرة العنصرية البغيضة، أن تبادر إلى استبدال معالجات السجون والملاحقات والاعتقالات العشوائية بالمعالجات الاجتماعية... وهنا فإنه لابد من التأكيد على أنَّ الذين نفّذوا جريمة "شارلي إيبدو" ليسوا جزائريين ولا عرباً ولا مسلمين... إنهم إنتاج المجتمع الفرنسي الذي رفض استيعابهم، والذي تعامل معهم كغرباء، والذي بالتالي دفعهم دفعاً إلى البحث عن هوية أخرى غير الهوية الفرنسية.