أسس المواطنة... ومفهوم الانتماء!

نشر في 10-09-2014
آخر تحديث 10-09-2014 | 00:01
 تركي الدخيل المواطنة فكرة عملية وليست ذهنية. والمواطَنةُ هي صيغة مفاعلة، شراكة في الحفاظ على التراب وتماسك بين مختلف أطياف المجتمع لتكوين بنية صلبة لا تهزها عواتي رياح الخارج. والمجتمع في الإمارات وفي دول الخليج يعتمد في ولائه السياسي على بيعة الآباء والأجداد للحكّام لإدارة البلاد. وأثبتت الأنظمة قوتها واستقرارها في ظلّ الهزات التي تصيب الأنظمة التي ادعت على مدى نصف قرن أنها ديمقراطية.

والمواطنة ليست كلاماً، وإلا فكيف يبيع الإنسان ولاءه للخارج وهو يدعي أنه مواطن، أو كيف يحمل في ذمته بيعتين، بيعة للمرشد في الخارج وبيعة للحاكم في الداخل! لهذا فإن إحدى البيعتين ستكون كاذبةً بالتأكيد لوجود التعارض التام والفرق بين الرجوع لتنظيماتٍ سرية وعلنية في الخارج، وبين أن تكون مواطناً حقيقياً لا تباع ولا تشترى ولا تهزك أي ريحٍ صرصرٍ عاتية.

ولنقرأ قصص الآباء والأجداد وولائهم لأوطانهم وحبهم لها. خذ هذا المثال عن حب الوطن لدى مجتمع كوريا الجنوبية، فهم حين أصيب مجتمعهم قديماً بأزمةٍ اقتصادية تبرع المجتمع من حر ماله لميزانية الدولة، وبهذا تجاوزوا بالفعل الأخطار الاقتصادية وأعادوا ترتيب وطنهم من جديد. هذا هو الولاء أن تكون لبنةً في بناء الوطن الشامخ، لبنةً قويةً وليست مغشوشةً ربما أضرت بالبناء، هذا هو الفرق بين المواطن وبين الذي يعتبر الوطن مجرد مسكن يمكنه أن يستغني عنه أو أن يعمل ضده في حال كان مجنداً للتنظيمات السرية أو الدول القريبة والبعيدة.

يحاول بعض الأيديولوجيين المتحمسين الحركيين أن يشوهوا مفهوم "الطاعة"، وهذه موجة واضحة منذ بدء ما سمي بـ"الربيع العربي"، كتبوا أن طاعة الحاكم مرتبطة بالإنجازات التي يؤديها ويقوم بها، فإن قصّر فلا طاعة له! طبعاً هذا المنطق خاطئ جداً، لأننا سندخل بمعنى "التقصير" الذي هو من طبيعة البشر، قد يعتري الحاكم قصور في مجالٍ هنا أو هناك، بل ربما ظلم الحاكم مواطناً، لكن الإجراء ليس بنزع الطاعة منه بل بالذهاب إلى المحكمة والقنوات القانونية. المظالم لا تحل بنزع الطاعة وإنما باللجوء إلى مؤسسات العدالة الموجودة في الدولة. منطق الإخوانيين أو غيرهم يقوم على ربط الطاعة بالعدالة المطلقة التي لا توجد إلا في أذهانهم للأسف.

يحاول بعض الأيديولوجيين والحركيين انتقاص مفاهيم مثل "البيعة" أو "الطاعة، فبعض الإخوانيين يزدرون البيعة والطاعة، يريدون "الديمقراطية"! وبعد أن يصلوا إلى الحكم يصبحون مستبدين متنفذين آخذين كل الحكم لهم وحدهم، ويقصون كل المنافسين، تماماً كما فعلت أحزاب شيوعية وبعثية وقومية، هذه هي طبائع الفكر الشمولي والحركية الديكتاتورية.

من الأخطاء الكارثية للإخوان أنهم ألغوا مفهوم المواطنة وازدروه، وكذلك فعلوا مع البيعة والطاعة، ولم يكونوا حداثيين إلا في المسائل السياسية، تأتي الديمقراطية ودولة المؤسسات والشراكة السياسية، لكن حين تحدثهم عن التحديث الفكري مثل التسامح والاعتراف بالآخرين مهما اختلفت أديانهم أو خطر التكفير أو ضرورة إدانة العنف، حين تتحدث معهم بهذه الأفكار المهمة ينسحبون ويخافون، بل ويدبرون.

المشكلة أيها السادة أن هناك من يريد طمس المفاهيم التي تؤسس للنسيج الاجتماعي المترابط، وعلى رأس تلك المفاهيم "المواطنة، الولاء، البيعة، الطاعة". يريدون الديمقراطية -زعموا- وكأنهم لا يريدون السلطة المطلقة وإعادة الخلافة الإسلامية.

back to top