«حرب سليماني» تهدد بتأجيل التسويات العراقية
على هامش "ملتقى السليمانية"، وهو لقاء سياسي سنوي تنظمه الجامعة الأميركية في ثاني أكبر مدن كردستان العراق، ينخرط الجميع في الحديث عن أمرين؛ "داعش" و"قاسم سليماني"، ويتراجع السؤال عن العراق كدولة تكافح على جبهات عدة، لمصلحة نتائج الاتفاق النووي المطروح بين واشنطن وطهران.الضيوف وهم خليط من وزراء عراقيين ومسؤولين أكراد وقادة أميركيين سابقين وشخصيات تركية وإيرانية وباحثين، يسألون عن مستقبل "داعش"، والحضور الكبير الذي يحققه جنرال الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، الذي ظل اسمه يتردد في النقاشات الجانبية والأساسية، بكل اللهجات الكردية والعربية والفارسية والإنكليزية.
وفي واحدة من أهم فقرات الملتقى التي خُصصت لديفيد بترايوس، الذي شغل منصب قائد الجيوش الأميركية في العراق بعد 2006 ويعد مهندس مشروع "الصحوات" الذي نجح في تحجيم تنظيم القاعدة، كان أكثر الأشياء إثارة في حديث بترايوس إشارته إلى الرسائل الهاتفية النصية التي كان يتلقاها من قاسم سليماني عام 2010 وتتحدث عن نفوذ الأخير في السياسة العراقية والأمن على حد سواء. وفي الصالون السياسي المميز بحضوره، والذي يرعاه برهم صالح القيادي المعروف في حزب جلال طالباني، كان الجميع يحاولون طرح أسئلة بشأن مسعى العراقيين للتوصل إلى تسوية بشأن الثروة والسلطة، لكن العديد من الحاضرين ظلّوا يقولون إن كل الأسئلة عن ممكنات الإصلاح السياسي في العراق كانت "تنتهي عند قاسم سليماني".فمعركة تكريت رغم ما حققته من تقدم استراتيجي هو الأول من نوعه، كانت عند كثير من الساسة والمراقبين مجرد مناسبة جديدة لتعريف دور سليماني الفاعل في العراق، كما أن متابعة نتائج الحوار السني - الشيعي حول تشكيل الحرس الوطني أو مراجعات اجتثاث البعث والنظر في باقي مطالب المحافظات السنية، صارت أمراً يجري تأجيله طبقاً لما يحققه قاسم سليماني على الأرض في معارك وقودها أموال العراق وشبابه.وهذا يعني أن الحرب وفاتورتها والدور الأميركي المتردد فيها، فسحت المجال أمام دور أكثر من المعتاد للجناح الإيراني المتشدد، وباتت واحدة من نتائجه المحتملة عرقلة النهج الإصلاحي الذي يبشر به رئيس الوزراء حيدر العبادي ومعه معتدلو الشيعة المدعومون من مرجعية النجف، الذين يعتقدون أنه لا استقرار إلا بتسوية كبيرة مع السُّنة والأكراد وتطبيع مع المحيط الإقليمي. ومن شأن الحرب وضرائبها الآن أن تقيد هذه الطموحات وتؤجلها، كلما وجد الساسة أنفسهم يتساءلون عن العلاقة المعقدة بين واشنطن وطهران، وما إذا كانت ستنتهي باعتراف بـ"حصة إيران" من النفوذ في العراق والمنطقة، وتدخلها بأشكال عديدة في كل تسوية عراقية داخلية ممكنة، ما يوصف بأنه أكبر تحدٍّ تواجهه الطبقة السياسية في العراق، التي تنتهي كل أسئلتها عند "داعش" وسليماني، في هذه اللحظة على الأقل.