من الطبيعي أن تقف جماعات فاسدة ومُفسدة حجر عثرة في طريق تحقيق المطالب الشعبية المستحقة التي تنادي بتطبيق الدستور وتطويره، وبالإصلاح السياسي والديمقراطي؛ لأن ذلك سيفسد "طبختها" وربما تقضي بقية حياتها في السجن، ناهيك عن أن ذلك سيقلّص من نفوذها ويقضي على مصالحها الضيقة وثروتها الهائلة غير المشروعة التي راكمتها نتيجة استشراء الفساد في مفاصل الدولة، أي الفساد السياسي المؤسسي، وهو الأمر الذي لم يعد خافيا على أحد بما في ذلك الحكومة ذاتها التي اعترفت، أكثر من مرة، بتفشي الفساد والرشوة في أجهزة الدولة.
ومن الطبيعي أيضا أن يكون هناك صراع على مراكز النفوذ والسيطرة بعيداً عن الإرادة الشعبية، تكون نتيجته انتصار طرف على طرف آخر، مع عدم استبعاد أن يحاول كل طرف من الأطراف المتصارعة ضمن الدائرة الضيقة ايهام الرأي العام، من خلال وسائله الإعلامية، وشبكة علاقاته الاجتماعية ونفوذه، بجانب قدراته المالية، وبمساعدة القوى والعناصر الانتهازية التي تلعب على جميع الحبال، بأنه يعمل لمصلحة الوطن وعموم الناس، وذلك في محاولة بائسة هدفها تجيير أي حراك شعبي لمصالحه الخاصة، وهو ما قد يقع ضحيته بعض الأبرياء وصادقي النية، أو قصيري النظر الذين وصلوا إلى مرحلة اليأس وعدم الثقة بقدرة الناس على إحداث الإصلاح السياسي المطلوب والتغيير الديمقراطي المنشود.وفي حالة تحقيق أحد الأطراف الفاسدة المتصارعة فيما بينها، بعيدا عن المصالح الشعبية، انتصارا على أطراف أخرى ضمن دائرتهم الضيقة والمعزولة عن الواقع، فإنه سيكون من ضمن مهمة أبواقه الإعلامية المأجورة العمل ليل نهار على خلط الأوراق، ومحاولة تضليل الناس وتزييف الوعي العام، وذلك من خلال تصوير القوى والعناصر السياسية والاجتماعية والشبابية المطالبة بالإصلاح السياسي والديمقراطي، على عكس الحقيقة، بأنها مجرد أدوات تابعة لهذا الطرف الفاسد أو ذاك.أما غير الطبيعي فهو أن تنطلي هذه الألاعيب المكشوفة التي تمارسها جماعات الفساد والإفساد على القوى السياسية والاجتماعية والشبابية الوطنية الواعية التي لا مصلحة لها ولا هدف سوى تطوير مجتمعها وتقدمه، ومشاركة الجميع في إدارة دولة مدنية ديمقراطية عصرية، والمحافظة على تماسك النسيج الوطني كي يمكن الخروج من حالة المراوحة السياسية والتراجع التنموي والديمقراطي.ولكن المشكلة هي أن قوة جماعات الفساد والإفساد المعادية للتطور المدني الديمقراطي ونفوذها قد يُمكّنانها، في فترة زمنية محددة ونتيجة لظروف موضوعية معينة، من خلط الأوراق وتضليل الرأي العام، ناهيك عن تفتيت النسيج الاجتماعي الوطني، وبث روح اليأس والإحباط والقنوط في صفوف بعض الشباب المتحمسين وغير الواعين لطبيعة موازين القوى ومتطلبات التغيير الاجتماعي-السياسي، وهي أمور تؤدي إلى تأخير الإصلاح السياسي والديمقراطي المُستحق، وهو ما يعني الاستمرار في عملية التراجع العام على المستويات كافة، والمزيد من التهميش السياسي-الاجتماعي لفئات ومكونات اجتماعية أساسية، وبالتالي، ازدياد الاستياء العام والغضب الشعبي في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى تطوير مجتمعنا، والمحافظة على ثروتنا الوطنية، وتماسك الجبهة الداخلية، فالأوضاع الإقليمية والدولية الحالية مضطربة وغير مستقرة.
مقالات
الإصلاح السياسي وخلط الأوراق
10-06-2015