لا شمس غداً!
رصد التقرير السنوي للمنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية لعام 2014م 18 حالة انتحار في صفوف الأطفال، غالبيتها عن طريق الشنق، وذكر التقرير أن أسباب انتحار التلاميذ تعود بشكل أساسي إلى الظروف الاقتصادية السيئة لعائلاتهم مع غياب التأطير النفسي والرعاية الاجتماعية في المؤسسات التعليمية.وبالرغم من قلة الدراسات والبحوث عن حال الأطفال في مختلف أرجاء الوطن العربي وشحها، وهذا لافت للنظر، فإن المؤشرات تدلّ على وضع بائس وموجع للطفولة والأطفال في مجتمعاتنا.
ففي دراسة قام بها فريق من الباحثين ما بين عامي 1994 و1998 ومنشورة في موقع المجلس العربي للطفولة والتنمية، ورد أن عدد أطفال الشوارع في مدينة القاهرة الكبرى فقط بلغ ربع مليون طفل، وصُنّفوا على أنهم أطفال خارج إطار الحماية.وفي السعودية، أكّدت وزارة العدل أنها سجّلت خلال ثلاثة أعوام نحو 270 قضية عنف ضد الأطفال، وأوضحت جمعية حقوق الإنسان في المملكة من جهتها أنها تلقت حوالي 173 حالة عنف تعرض لها الأطفال خلال العام الماضي، وتنوعت حالات العنف هذه ما بين حرمان من التعليم، وعنف جسدي، وعنف نفسي، وتزويج قاصرات، وتحرش جنسي، بالإضافة إلى حالات أخرى مثل الحرمان من رؤية أحد الوالدين وغير ذلك من حالات العنف.كل هذا فضلاً عما يجري للطفولة والأطفال في مناطق النزاع والتوتر في عالمنا العربي، فعلى سبيل المثال تذكر بعض المراصد الحقوقية أن عدد الأطفال المنضمين إلى تنظيم داعش وتوظيفهم كوقود في الحرب بلغ خلال العام الجاري فقط 400 طفل، وأن عدد الأطفال الذين ذهبوا ضحايا الحرب الدائرة في سورية بلغ حتى تاريخ مارس 2015م نحو 14145 طفل كلهم دون سن السادسة عشرة. في غياب الإحصاءات الدقيقة والحديثة يصعب علينا أن نعرف على وجه التحديد هول ما يحدث لأطفالنا، إلا أن المعلومات الشحيحة لا تحجب المأساة، هذه المعلومات على قلتها كافية لأن تمنح قلوبنا ما يفيض من الوجع، وما يدمي من شوك الأسى.كنا نظن نحن -رجال هذا الجيل وكهوله- أننا لم نعش طفولتنا كما يجب، ولم نرتوِ من ماء براءتها بقدر العطش، ولم نشبع من ثمر فرحها بقدر الجوع، وكنا نظن أن طفولتنا ذات الثياب القليلة التي تعدّ على أصابع اليد الواحدة طوال العام، والألعاب البدائية التي نصنعها بأنفسنا، والوجبات المتشابهة معظم أيام السنة، والموارد الاقتصادية المحدودة لبلداننا أو لأسرنا البسيطة، والأوضاع السياسية المثقلة بالهزائم والنكسات، والأوضاع الاجتماعية الملأى بالنواهي والعيب و..."خلك رجال"! طفولة لا يستحقها طفل يفترض أن تخبئ الشموس بين حناياه بشائرها في الغد القادم.كنا نظن أن طفولتنا هي الأشقى على الإطلاق، إلا أنني لا أذكر أبداً أننا سمعنا عن طفل في أعمارنا قد انتحر!كيف لطفل بعمر العاشرة مثلاً أن يتخذ موقفاً "وجوديّاً" بهذا التطرف من الحياة؟!أي مجتمع قد يدفع طفلاً لفعل ذلك؟!إن الطفولة في أوطاننا تدمّر بقسوة ممنهجة، ولا توجد استراتيجية حقيقية وجادة وشاملة للنأي بها عن ظلامنا، ولا قوانين صارمة تحميها من ظلمنا!