الاتفاق الإطاري بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد (أعضاء مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا) الذي تم مؤخرا في مدينة "لوزان" السويسرية حول البرنامج النووي الإيراني لم يكن مفاجئا، بل اقتضته مصالح سياسية-اقتصادية مشتركة، فكلا الطرفين كان بأمس الحاجة للوصول إلى اتفاق ينهي العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة على إيران، ويعيدها إلى الساحة الدولية.

Ad

في الجانب السياسي، تحتاج أميركا وأوروبا أيضا إلى إيران من أجل ضمان مصالحهما ونفوذهما في المنطقة، خصوصا بعد التغييرات التي حصلت في سياستهما الخارجية نتيجة الأزمة الاقتصادية الرأسمالية التي تفجرت عام 2008، إذ لم يعد بإمكانهما، لأسباب اقتصادية ومالية بالدرجة الأولى، الوجود العسكري المكثف والمباشر في مناطق النفوذ والسيطرة ومن ضمنها منطقتنا، أو الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة يترتب عليها تكاليف مالية باهظة، فتمّ الاكتفاء بوجود قواعد عسكرية في المنطقة تدفع جزءاً كبيراً من تكاليفها الدول التي توجد على أراضيها.  

بناء على ذلك، فقد كان هناك حاجة ماسة إلى دور إيراني أقوى في المنطقة يغني عن الوجود العسكري الغربي المباشر، حيث لا يخفى على أحد أن إيران لعبت وما زالت تلعب دورا سياسيا و"عسكريا" مؤثرا في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن، وأي صفقات أو تسويات أو تفاهمات سياسية قادمة لا محالة في هذه الدول لن تمر من دون إشراك إيران.

ومن ناحية أخرى فإن أميركا والاتحاد الأوروبي يسعيان إلى تحقيق ما يُطلق عليه "عملية توازن استراتيجي" في المنطقة، بحيث تكون هناك عدة قوى مؤثرة لا قوة واحدة كي يمكنهما الاستفادة، أو بالأحرى، التحكم إلى أقصى درجة في عملية الصراع السياسي بين هذه القوى، وتجييره لمصلحتهما في مواجهة مجموعة "البريكس" التي بدأت تطرح نفسها كقطب اقتصادي- سياسي جديد في مواجهة قطب أميركا.

 وفي الجانب الاقتصادي، فإن إيران دولة نفطية لا تقل أهمية من هذه الناحية، بالنسبة إلى أميركا والاتحاد الأوروبي، عن دول الخليج النفطية، فضلا عن أن لديها قوى عاملة ضخمة غير مُكلفة ماليا، وسوقا واسعة يسيل لهما لعاب رأس المال المُعولم، ولا سيما بعد الأزمة الاقتصادية الرأسمالية.

أما بالنسبة إلى إيران فإن الوصول إلى اتفاق حول برنامجها النووي، وما يترتب عليه من إنهاء العقوبات الاقتصادية، وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع أميركا ودول الاتحاد الأوروبي، سيجعلها أكثر قوة من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وهو الأمر الذي سيمكنها من إنعاش اقتصادها الضعيف والمتدهور حاليا، وتحسين مستوى معيشة شعبها الذي يعاني اقتصاديا، فضلا عن أنه سيكون بمقدور إيران لعب دور سياسي في المنطقة أكبر بكثير من دورها أيام حكم الشاه المخلوع.