يقرأ ويكتب
عنوان خبر مانشيت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمس «أشتون كارتر من عالم الجزيئيات (Particles) إلى وزارة الدفاع»، كان الخبر بمناسبة تعيين كارتر وزيراً للدفاع بعد إقالة هيغل، الوزير الجديد باحث أكاديمي وأستاذ فيزياء، وأيضاً يحمل شهادة عليا في تاريخ العصور الوسطى، وبدأ العمل في البنتاغون منذ بداية التسعينيات، وله بحوث وآراء متشعبة في قضايا الأمن القومي... هل يعد أشتون كارتر فريداً بتاريخه الجامع بين دفتيه البحوث العلمية والعمل السياسي؟ لا، لو نظرنا، مثلاً، إلى معظم أشخاص الإدارة الأميركية، أو غيرها من الدول التي حفرت اسمها في التاريخ من الغرب أو الشرق «أي من دول السنع»، وهذه تسمية المرحوم محمد مساعد الصالح عن الدول المتقدمة، نجد أن سجلاتهم الشخصية مدون بها إنجازات علمية وأكاديمية كبيرة، مثلاً الرئيس أوباما ذاته أيضاً هو محام وأستاذ بكلية القانون جامعة هارفرد، التي تعد أعرق جامعة في العالم، ومن سبقه من رؤساء وعاملين في الإدارات السياسية لا تقل شهاداتهم وبحوثهم العلمية عن كارتر أو أوباما، انظروا أيضاً إلى معظم جنرالات الجيش هناك تجدوا أغلبهم لم يصلوا إلى مراكزهم العليا عبر تحية العلم ووصفات وعبارات مثل «حاضر سيدي»، أو «آمر طال عمرك» على الطريقة العربية أو الكويتية، وإنما قدموا البحوث والدراسات العميقة في مجالات كثيرة، وهم يحملون أيضاً شهادات عليا من جامعات راقية، وليست دور «كتاتيب» جامعات خاصة أو عامة، هي أقرب ما تكون إلى بقالات مزرية بدولنا، والتي يتراكض إليها الكثير من شبابنا حتى يجدوا الوظيفة الإدارية المريحة في مؤسسات دولة «تعال باجر المدير باجتماع».
النقطة الأساسية في الموضوع هي أنه في العالم المتقدم، تكون معايير الاختيار للوظيفة القيادية وحتى العادية هي «الجدارة» (مريت سيستم)، وليس فيها اعتبار الموازنات العرقية والطائفية والقبلية والعائلية، وهذا محسوب على الشيخ الفلاني، وذاك الوزير، أو القيادي من «معية» ذلك الشيخ... إلخ... حتى لو افترضنا أن من يتم اختيارهم، عندنا، من أصحاب الجدارة إلا أن جدارتهم سرعان ما تذوب سريعاً، مثل الملح بالماء في كوب المشيخة... بكلام آخر تظل علاقة «الزبائنية» والمحسوبية لصاحب السلطة أقوى من حكم القانون والمؤسسات إن صح أن نطلق على هاتين الكلمتين نعت «قانون ومؤسسة» بتجرد!في مثل ظرفنا اليوم، مع مواجهة خطر نضوب مالية الدولة لتدني أسعار النفط مع إدارة «حيص بيص» المحتارة، هل سنصلح من أمرنا، ونواجه الواقع وتحدياته بفكر وعزيمة أشخاص من أهل الكفاءات والإخلاص للوطن، أم سنظل على «طمام المرحوم» ونكتفي بشهادة «يقرأ ويكتب»؟ وهي الإجابة التي جاءت على لسان وزير سابق في التسعينيات، حين سأله عضو مجلس أمة عن شهادة رئيس إدارة حساسة بالدولة، يوكل إليها إرساء مناقصات الدولة... من يتذكر تلك الإجابة الصريحة! الله يذكرهم بالخير... يقرأ ويكتب.