لا أعلم مدى جدية من يعلنون أنهم يريدون الهجرة، ولكن كان الله في عون من يقولها أمامي، ليس لأني من جماعة "ماكلين شاربين" ولكن لأني مقتنع أن دوافع الهجرة المتعارف عليها غير متحققة في الحالة الكويتية، وبالتالي فإن من يقولها هو في نظري إما "بطران" أو قصير نظر ونفس يريد جني الثمار دون تعب.

Ad

الكويت اليوم بحاجة إلى كل طاقة بناء، لأنها بلد فرض عليه التاريخ والدستور أن يكون موعوداً بالتميز، وقد سار فعلاً في الركب الحضاري، ولكنه تعثر نتيجة تصادم مشروع الدولة العصرية مع الدولة المتخيلة في أذهان بعض الشيوخ، ومن استعانوا بهم من مشايخ ومشيخات، الكويت ليست دولة حروب وكوارث ومعدلات جريمة مرتفعة حتى نفكر في الهجرة منها، هي معجزة بقاء وتسامح وُجِدت على هذه الأرض قبل تفجُّر ينابيع النفط، وستبقى كذلك مادامت باقية فيها أرواح من أسسوها على العدل والانفتاح.

الكويت التي اكتشف البعض اليوم ظلمها وقسوتها بعد أن كان غارقاً في أفلاك السمع والطاعة أو سابحاً في نعيم بترولها، هي نفسها الكويت التي قست في الستينيات وزورت الانتخابات، وهي نفسها التي غيبت البرلمان في السبعينيات والثمانينيات ونفسها التي سحبت "الجناسي" ونفسها أيضاً التي "جنست" وسفّرت وعاقبت الصحف بالإغلاق وشرعت القوانين المقيدة للحريات... إلخ، هل تريدون المفاجأة وكلامي موجه إلى المكتشفين الجدد، أبوالدستور الشيخ عبدالله السالم حلّ جميع الأندية والصحف في نهاية الخمسينيات عندما غضب من كلمة ألقاها جاسم القطامي في إحدى المناسبات القومية.

الكويت جميلة باختلافها وتوازن معادلتها السياسية بين أسرة متفق عليها وشعب يحكم من خلال البرلمان وينتخب فيه حاكمه المستقبلي، الكويت دوماً بين هذا وذاك، ولا جديد سوى تبدل المواقف نتيجة تبدل المواقع، وما نعيشه مجرد حالة مكررة لاختلال معادلة الحكم سرعان ما تعود إلى طبيعتها، لأن القوى الخيرة هي من تقود إلى التوازن في نهاية الأمر، وإذا ما قرر كل مبدع وموهوب وصاحب رؤية ترك الكويت بعد أول معركة فمن سيبقى فيها غير الغارقين في أفلاك السمع والطاعة والسابحين في نعيم النفط؟

في الختام، تسلحوا بالعلم قدر استطاعتكم ووسِّعوا نطاق رؤيتكم للمستقبل، لأن الكويت دوماً موعودة بالتميز وستحتاج إليكم، لن نتركها وسنبقى رغم كل الإحباطات.