الحديث المشترك بين أبناء الشعوب العربية في كل بلدانهم وفي تواصلهم لا يبتعد عن حالة الصراع العربي- العربي الذي أصبح ظاهرة بعد "ثورات الربيع العربي" التي ما خمدت نارها، ويبدو أنها سكنت تحت رماد وقد يأتي من يؤججها، فما عاد بالإمكان وسط هذا الضجيج أن نستشرف مجريات الأحداث وهي تتسارع حاملة المفاجآت وغير المتوقع.

Ad

 في المشهد الأكثر سخونة في أحداثه مثل سورية واليمن والعراق، وبينما الأقل بقراءة متأنية في مصر وتونس، وليست فلسطين بمنأى عنه، نجد أن هناك "عملية خراب" مشترك يتم تنفيذها، وأخرى يتم الإعداد لها وبطرق مختلفة نترصدها في الأخبار والتحليلات لنجد أنها تدار من الخارج بتعاون من الداخل.

 منذ حرب الخليج وتحرير الكويت فإن أكثر من طرف تلاقت مصالحه حول ضرورة اتساع رقعة "الخراب" في البلاد العربية التي تهيأت لها الظروف حين انشغلت البلاد العربية بمشاكل داخلية عظيمة جاء بها الفراغ السياسي مع ثورات الربيع العربي، وفي بروز طاغٍ لإعلام "رخيص" ساهم في انفصال "الإنسان العربي" عن انتمائه العربي بدرجة كبيرة حين نسمع ما يردده الإعلاميون وبعض الأقلام المحسوبة على الثقافة العربية من "أنا" كبيرة يريدون لها أن تحل محل "نحن"، مما ترتب عليه أن خـَفـَتَ الصوت الذي كان الأعلى وهو صوت "الأمة الواحدة"!

 فماذا تنتظر البلاد العربية، التي تدار على أرضها صراعات بأشكال متعددة وهي مفتوحة أمام الطامعين في إبقاء الحال على ما هو عليه لأكبر فترة من الزمن؟!

بينما يعيد المتربصون رسم "خريطة" جديدة للوطن العربي أكثر تفتيتاً من خريطة "سايكس بيكو" التي رغم علم كل العرب بأنها حققت لأعدائهم ما أرادوا وأقامت بينهم دولة الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين، إلا أن العرب بقوا كل هذه السنين يرددون شعار "الأمة الواحدة" دون فعل يعيد لحمتها!

 يتفق المحللون على أن هناك تسابقاً محموماً إلى تقسيم الوطن العربي فئاتٍ ومذاهب طائفية بالدرجة الأولى، ولا ينكر العدو الصهيوني أنه مستفيد من هذه الحالة التي ستمنحه المزيد من الوقت لبسط سيطرته على ما تبقى من أحلامه في الأرض العربية "من النيل إلى الفرات".

وكذلك التنظيمات الإرهابية التي جاءت من خارج الوطن ومن داخله، والتي أدركت منذ سنين بعيدة أن العامل المشترك بين أبناء الأمة العربية والأقوى هو الرابط الديني، فكان المدخل الذي تسللت منه تلك التنظيمات وأفلحت في إدارة دفة الصراع الطائفي بالقوة غير المسبوقة في تطرفها، وما يجري في العراق وسورية واليمن، وما خلّفه من دمار بشري ومادي، يعطينا صورة متشابكة لمجريات الأحداث في كل منها، وليست سيناء المصرية ببعيدة عن المشهد العام، فبينما تتم إعادة تنظيم وهيكلة الدولة على أسس جديدة مازالت المواجهات مع الإرهابيين تدور رحاها.

 الظاهرة في ما يتداوله أبناء الأمة تعطي صورة متشائمة ومحبطة لآمالهم، وهم يرون أن منافذ الوطن كله مفتوحة ملاذاً للحركات الإرهابية الأكثر قسوة وتدميراً لمعالم الحضارة والإنسان.

كيف السبيل إلى الخروج من هذا الوضع إن لم يتحكم العقل في مجريات الأحداث بعيداً عن العصبية والمذهبية والفئوية وتلتقي الأمة "قيادة وشعباً" في تلاحم حقيقي على هدف يعيد توافقها على ثواب جمعتها منذ الأزل، مثل التاريخ المشترك واللغة والدين وغيرها، مما تعلمته الأجيال بالتمرد على سيطرة الطامعين والمتربصين، وإن طال الانتظار؟!