فعل سياسي غاشم!

نشر في 09-04-2015
آخر تحديث 09-04-2015 | 00:01
 مسفر الدوسري لا تعنيني السياسة بكل وحْلها... ودروبها الملغومة بالدنَس ودهاليزها العفنة والنتنة، لا أرى في بريقها ما يغري، ولا في ضوء نجومها هادياً ينقذ خطواتي من التيه، بل على العكس تماماً تزيدني سماؤها ضياعاً وتيهاً كلما ظننت أني لجادة الصواب أقرب.

طعام السياسة ضريع، وماؤها غِسْلين، وسرابيلها قطران!

المصطلحات في قاموس السياسة مُربكة، ولا تتماثل مع معانيها في المفاهيم الإنسانية الاعتيادية، فالذكاء يعني القدرة على المكر والخبث والمباغتة، والمصالحة لا تعني صفحة جديدة تطوي صفحة سابقة إلى الأبد، وإنما تعني القبول بالأمر الواقع وتحيّن الفرصة لتغيّره للانقضاض عليه والانتقام، والعدل ليس ما ينطق به لسان الحق وإنما ما تفرضه قبضة اليد العليا، والكذب تكتيك، والقتل عمل يشرعنه شعار الغاية تبرر الوسيلة!

في السياسة الإنسان ليس القضية وإنما الفكرة، حتى وإن كانت هذه الفكرة تهدف صالح الإنسان! وبهذا المعنى فإن المهم أن تنتصر هذه الفكرة حتى لو كان الثمن كل البشر!

لكل الأسباب السابقة لا أشك مطلقاً بأن السياسة طريق يناقض الصواب لامرئ يبحث في الحياة عن طريق يتصالح فيه مع ضميره، ويحلم بأن ينعم بالسلام مع ذاته، وأنظر بدهشة لا تخلو من حيرة لأولئك المشتغلين بالسياسة من اللاعبين الرئيسين والكومبارس، وبنظرة لا تخلو من الازدراء والاستخفاف لأولئك المحللين، فهؤلاء تحديدا يفنون أعمارهم في عالمٍ لا يسْلمون فيه من النجاسة، وليس لهم من المتعة نصيب!

ولسوء الحظ أن القدر شاء أن أُخلق في منطقة جغرافية من العالم كانت وما زالت ملعباً حيوياً وحلبة صراع وساحة تجاذبات لكل أشكال السياسة والسياسيين من داخلها وخارجها، وكالكثيرين غيري لم أستطع أن أتبيّن الخيط الأبيض من الحياة اليومية من الخيط الأسود من السياسة، فأي حديث عادي عن هوايتك المفضلة، أو حالتك الصحية، أو تربية أطفالك، أو خلافاتك الزوجية يُدخلك من حيث لا تعلم في همّ سياسي، ليس حبّاً في السياسة ولكن لتقاطعها بشكل فاضح ومباشر مع كل ما يمكن أن تفكر فيه في حياتك اليومية!

لا أنكر أن حياة كل الناس في هذا العالم تتقاطع مع السياسة في أوطانهم، ولكن الحال في بلدان كثيرة هي أن حياة الناس هي التي تحدد شكل السياسة لديهم، بينما شكل السياسة لدينا هو الذي يحدد حياة الناس، أحلم بأن أكون كأي فرد في تلك البلدان في أن أحاول أن أجد متسعاً للسياسة في حياتي الخاصة، لا أن أحاول أن أجد متّسعاً لحياتي الخاصة في السياسة!

أحلم كما هو الواقع في تلك البلدان، بأن يكون الاهتمام بالشأن السياسي اختياراً ذاتيّاً للفرد، وليس قدراً إجبارياً يفرضه الواقع، أحلم بأن أحيا حياة مليئة بالمتعة العادية البسيطة: ممارسة رياضة محبّبة، عمل، قراءة كتاب، سماع موسيقى، مشاهدة فيلم في السينما أو عرض مسرحي، الجلوس في حديقة عامة أو مقهى مع كائن تدلّله (حيوان أو إنسان)، رحلة قصيرة أو رحلة تخييم نهاية الأسبوع، وكل ما يشغلني في الحياة هو التخطيط لإجازتي السنوية والأماكن التي يفترض أن أراها في البلد الذي سأذهب إليه، وأفضل الأماكن والأسعار، وكيف سأقضي حياتي بعد التقاعد!

هذا الحلم بحياة عادية بسيطة يسقط عند أول مانشيت في الصفحة الأولى في الصحيفة قد ينفجر بين يديك بفعل سياسي غاشم!

back to top