إن التحديق طويلاً في القبح يجعلنا مع الوقت جزءاً منه!

Ad

إن إبقاء أنظارنا على اللوحة التي ترسمها ريشة القبح، يُمكِّن عدوى القبح من التسلل إلى أرواحنا بدهاء ماكر لتلتهمها قطعة قطعة، وضوءاً ضوءاً لتتركها أسيرة لشِبَاك العتمة التي سيكون خلاص أرواحنا من براثنها معجزة أشبه بالمستحيلة.

التّحديق في مخطوطة القبح وقتاً طويلاً وقضاء الوقت في قراءتها يُتلف البصر!

القبح شجرة من أشجار "المنشنيل"، ولمن لا يعرف شجرة "المنشنيل" فإنها شجرة من أخطر الأشجار السّامة على وجه الأرض قاطبة، شجرة لو تفيأها المرء في جو ماطر لسقط المطر على جلده قطعاً من النار، وإذا ما احترقت أوراقها بالقرب منه لأصاب دخانها عينيه بالعمى!

القبح شجرة "منشنيل"  فاكهتها خضراء حلوة الطعم بحجم اليوسفي، إلا أن مَن يتناولها تماماً كمن يأكل قطعة من الجمر!

بعضنا يأخذ قيلولة تحت شجرة القبح، وبعضنا الآخر ينصب خيمته في ظلها ليقيم!

لا يجدر بنا الوقوف طويلاً عند ما نصادفه من قبح في الحياة والناس خلال مشوار حياتنا حتى لا نصبح امتداداً له، بل علينا أن نتمسك برداء الجمال فيهما حتى وإن ظننا أنه بالكاد يملأ كف الرضا، فكما أن التحديق فيما هو قبيح ينقل عدواه في أرواحنا، كذلك يفعل التحديق في كل ما هو جميل، يتمدد في داخلنا كشجرة مباركة تنشر الضوء في عتمتنا، وتطرح ثمر الخير في طريق أمنياتنا، ها نحن على أعتاب سنة جديدة، تمدّ يدها مصافحة أعمارنا، بينما نرى سنة تجمع حاجياتها وتحزم حقيبتها عازمة الرحيل، سنة أخرى تلحق ما سبقها من السنين والأعوام، سنة تضمنت ما يقارب ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً، كثير من تلك الأيام مرّت على البعض منا محمّلة بالخيبات، ومتخمة بالألم، وتساقط أوراق الأماني جافة صفراء من شجرة العمر، كثير من أيام السنة الراحلة مرّت على البعض منا متوجة بالأسى، ومرّ الحزن بعربته أمام قلوبهم كبائع متجوّل ليبيعهم رغماً عنهم شيئاً من بضاعته، ودفعوا ثمنها مرغمين كثيراً من الدمع والوجع، ثلاثمئة وخمسة وستون يوماً ربما مرّت في معظمها على البعض منّا مثقلة بالليل الحالك الذي لم يذق ولو قطرة واحدة من حليب نجمة، ولم يرضع من ثدي شمس، إلا أنه لا بد أن هناك حتماً يوماً واحداً من تلك الثلاثمئة وخمسة وستين قد غافل الليل ولو بكسرة ضوء خبأها تحت قميصه. يوم واحد على الأقل قد أهدى لنا قطعة سكّر حتى وإن كانت صغيرة، والأجدى ألا تسرق المرارة الهائلة في بعض الأفواه حلاوة تلك القطعة بأي ثمن من المخيلة، لا بد أن هناك يوماً واحداً فتح ولو ثقباً ضيقاً من رجاء في جدار اليأس، على هيئة كلمة عابرة، أو يدٍ آمنة وأمينة، أو قلب محب، أو بسمة مورقة، لا بد أن هناك يوماً جميلاً واحداً على الأقل في السنة المنتهية يستحق أن نحدّق فيه فقط دون سواه لتنتقل عدوى جماله إلينا ليحمي أرواحنا من الانهيار ولا يجعلها في قبضة القُبح!