تفاعلات قضية خفض ديون أوكرانيا

نشر في 23-05-2015
آخر تحديث 23-05-2015 | 00:01
 واشنطن بوست غدت القضية المعنوية والجيوسياسية والاقتصادية بشأن تقديم دعم قوي إلى أوكرانيا ملحة ولازمة، وقام صندوق النقد الدولي بكل ما يمكن أن يطلب منه بشكل معقول ومنطقي، وذلك من خلال توفير برنامج مكثف بقيمة تتجاوز 17 مليار دولار.

سوف تضطر أوكرانيا إضافة الى دائنيها والمجتمع الدولي عما قريب الى اتخاذ قرار حول كيفية معالجة ديون تلك الدولة في سياق برنامجها المستمر بالنسبة الى المساعدات. وتمثل حالة الخفض درجة من القوة تضاهي أي حالة واجهها هذا البلد خلال ربع القرن الماضي. وسوف تحدد كيفية حل هذه القضية الكثير إزاء مدى التزام المجتمع الدولي نحو أوكرانيا ونحو مقاومة العدوان الروسي، كما أن الفشل في تحقيق خفض ديونها سيؤكد أيضاً وجهة نظر اولئك الذين يعتقدون أن المصالح المالية الخاصة تؤثر بصورة غير متناسبة على السياسة العامة.

تعيش أوكرانيا حالة شبه حرب مع روسيا التي عمدت الى ضم شبه جزيرة القرم وحققت درجة كبيرة من السيطرة على أجزاء من شرق أوكرانيا، وتراقب الوضع هناك بشيء من القلق والترقب الجمهوريات الاخرى في الاتحاد السوفياتي السابق وحتى دول أوروبا الوسطى، وستتوقف نظرة التاريخ في نهاية المطاف إزاء تفاعل هذه الحالة على ما يتم عمله بالنسبة الى أوكرانيا وإلى روسيا على حد سواء.

جرأة في محاربة الفساد

وينطبق هذا بشكل خاص على أوكرانيا، نظراً لأنها تملك أفضل فريق اقتصادي اصلاحي منذ أن نالت استقلالها في بداية حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وقد أظهرت جرأة سياسية حقيقية في محاربة الفساد وبشكل خاص في التقدم بصورة نشيطة نحو تقييد مساعدات الطاقة التي كانت تفضي الى درجة كبيرة من الهدر، وتسمح بالتالي لأسعار الغاز المحلية بالارتفاع عشرة أمثال في العام الماضي، وقد فعلت اوكرانيا في 12 شهراً من أجل اصلاح تلك الإعانات بقدر يفوق ما تفعله معظم الدول الأخرى في 12 سنة.

وقد غدت القضية المعنوية والجيوسياسية والاقتصادية لتقديم دعم قوي الى أوكرانيا ملحة ولازمة، وقام صندوق النقد الدولي بكل ما يمكن أن يطلب منه عمله بشكل معقول ومنطقي، وذلك من خلال توفير برنامج مكثف بقيمة تتجاوز 17 مليار دولار، وبينما يمكن زيادة الدعم من قبل الولايات المتحدة وأوروبا ويضيع البنك الدولي فرصة كبرى من أجل تحقيق فارق فإن قابلية الحياة بالنسبة الى أوكرانيا تتوقف في نهاية المطاف على ما يمكن القيام به أو ما يحدث بالنسبة الى ديونها.

من المعروف بصورة عامة في عالم الاقتصاد ان مسألة اعادة جدولة الديون او خفضها تبرز بشكل دائم عندما يقوم المجتمع الدولي بالتدخل من أجل دعم احدى الدول، ويمكن على الدوام المجادلة في أن الاجراء المتمثل في تأجيل جزئي أو الغاء الالتزامات المتعلقة بخدمة الديون يعتبر طريقة أفضل من تقديم دفعة جديدة من المال.

وفي العادة، كما كان الحال في الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة، أو كما كان وضع الدول الآسيوية في الأزمة المالية التي شهدتها خلال سنة 1997 كانت هذه الفكرة مرفوضة من منطلق أن الدول – وعن طريق اصلاحات اقتصادية ملائمة – تستطيع تلبية التزاماتها المالية مع الحفاظ على قدرتها إزاء الدخول الى الأسواق العالمية وبلوغ امكانية استعادة النمو الاقتصادي.

ويوجد أيضاً التصور الأوسع الذي يقول إنه مع عدم وجود إمكانية تمويل مؤقت في حال تعرض الدول الى هزة مالية من نوع ما سوف يتوافر القليل من عمليات الاقراض الى الأسواق الناشئة، ونتيجة لذلك الوضع سوف نشهد درجة أقل من النمو الاقتصادي، ويمكن القول بشكل مؤكد ان حالة تشجيع الدول على التخلف عن سداد التزاماتها من أجل تلبية متطلبات ميزانياتها سوف يماثل عملية تدفق رأس المال الى الخارج بصورة فعلية.

القوانين الدولية

إن القوانين الدولية التي طورت بمرور الوقت تشير الى شريحة من العوامل تقرر وتحدد متى يتعين أن يتم خفض الديون، والجانب الأكثر أهمية في هذا الصدد هو أنه عندما تكون ديون دولة ما كبيرة جداً واحتمالات وضعها الاقتصادي ضعيفة تماماً، وهو ما يعني عدم وجود امكانية لقيامها بإعادة مبالغ الديون بصورة كاملة، يصبح من المقبول خفض الديون في صورة مشاطرة في الأعباء، وكطريقة من أجل خفض تأثيرات الديون على النمو الاقتصادي.

وتجدر الإشارة الى أن الأمور تصبح أكثر جلاء في الحالات التي لا يكون فيها خفض الديون أحد مصادر الخطر بالنسبة الى النظام المالي العالمي، أو تعزيز فكرة التخلف عن السداد على نطاق واسع.

ويشير هذا الى ضرورة خفض الديون في أوكرانيا، وقد أوضح صندوق النقد الدولي ان استدامة التمويل فيها يستدعي خفض دفعات خدمة الديون والابتعاد عن ديون زائدة خلال السنوات الخمس المقبلة، وحتى مع الافتراضات المتفائلة حول الأداء الاقتصادي الأوكراني وتفادي حدوث نزاع جديد فإن هذه الحصيلة ليست ممكنة من دون خفض للديون، وديون أوكرانيا ليست كبيرة بحيث تؤثر في حال خفضها على النظام المالي العالمي.

ثم لماذا لا نطلق سابقة تتعلق بالفكرة القائلة إنك عندما تقرض دولة تتعرض لغزو، عليك ألا تتوقع من دافعي الضرائب في العالم ان يهرعوا الى حشد الموارد من أجل حصولك على أموالك بالكامل.

وهكذا يتعين خفض ديون أوكرانيا، لكن السؤال هو هل سيتحقق ذلك؟ هذا غير واضح حتى الآن، ودائنو أوكرانيا بقيادة شركة الاستثمار فرانكلين تمبلتون وبدعم من عدد من مديري صناديق الاستثمار في الولايات المتحدة يرفضون شطب أي ديون على أوكرانيا.

ويتعين ان يكون من غير المقبول بالنسبة الى دافعي الضرائب حول العالم كون أموالهم قد تعرضت للخطر عبر تقديم قروض الى أوكرانيا، بحيث يتمكن دائنوها من استعادة أموالهم بصورة كاملة. وإذا دعت الضرورة يتعين أن تكون أوكرانيا مستعدة للتخلف عن السداد بينما يوضح المجتمع الدولي عزمه على الاستمرار في توفير الدعم في حال حدوث ذلك، ومن شأن ذلك ترك القليل من الخيارات أمام الدائنين للقبول بالواقعية الاقتصادية.

back to top