وقف وزير خارجية العراق عدنان الباجه جي بتاريخ 2 يوليو 1961 في جلسة لمجلس الأمن ليبرر أحقية العراق في ضم الكويت، ومما قاله في تلك الجلسة، أن "الكويت ليست الآن، ولم تكن في أي وقت في الماضي، دولة مستقلة، وقانونياً وتاريخياً، فإن الكويت كانت باستمرار جزءاً لا يتجزأ من ولاية البصرة العراقية"!
واستمر الباجه جي في تلك الجلسة يشرح الحجج التاريخية والقانونية التي يعزز بها وجهة نظره!في هذا الوقت كان عبدالناصر قد طالب جامعة الدول العربية بإقرار مشروع يتم بموجبه إرسال قوات عربية لحماية الكويت، بعد أن نزلت فيها قوات بريطانية لحمايتها من تهديدات عبدالكريم قاسم، حتى لا تستقر هذه القوات وتعود الهيمنة البريطانية على الكويت مرة أخرى! وفي نفس الوقت أوعز عبدالناصر إلى وفد مصر في الأمم المتحدة بأن يعمل على إقناع الدول الإفريقية والآسيوية لتأييد انضمام الكويت إلى الأمم المتحدة، بعد أن كانت اعتراضات العراق أجّلت انضمامها منذ عام 1961، إلى أن قُبلت عضواً في عام 1963!هذا على صعيد بداية نشوب الصراع مع العراق - الذي كان بقيادة عبدالكريم قاسم – وكان يتصدى لقبول عضوية الكويت في الأمم المتحدة!ولكن بعد سلسلة الانقلابات التي حدثت في العراق وفي سورية، وتشكُّل وفد من هذين البلدين لمقابلة عبدالناصر في القاهرة والتفاوض معه حول ما سُمي بمباحثات الوحدة الثلاثية! وبينما هم في خضم هذه المباحثات التي تم بعضها في منزل جمال عبدالناصر، فاجأهم علي صالح السعدي، نائب رئيس الوزراء العراقي ورئيس الوفد، بفتح موضوع الكويت من زاوية تعيين حدود دولة الوحدة الثلاثية الجديدة! وكان السعدي يحفظ عن ظهر قلب مزاعم حق العراق الذي لا ينازعه فيه أحد في الكويت!وهنا جاء دور عبدالناصر ليقول للمجتمعين: "إنكم تعلمون بالطبع أن لنا رأياً آخر في هذا الموضوع، فنحن وقفنا ضد عبدالكريم قاسم عندما أراد أن يضم الكويت، ولم نفعل ذلك لعداوة بيننا وبين قاسم، وإنما اتخذنا موقفنا هذا على أسس موضوعية أريد أن أشرحها لكم الآن، لأن فيها ما لم يكن ممكناً الجهر به علناً في ذلك الوقت"!ومضى عبدالناصر يشرح لهم الأسباب: "عليكم أولاً أن تتذكروا أن مجيء دول الخليج إلى إطار العمل العربي مكسب كبير في حد ذاته، وينبغي لنا أن نشجع عليه مهما اختلفت اجتهادات كل منا، فهذه بلاد تعرفون أكثر مني طبيعة الأوضاع الاجتماعية والسياسية فيها، وهي كلها تركيبات ضعيفة لكنها ثرية وتخشى على نفسها!السلطة فيها لأُسر حاكمة تشكك في الحركة القومية عموماً، لأنها محافظة وتقليدية بطبيعتها، وما هو أهم من ثراء حكامها هو المصدر الذي يجيء منه ذلك الثراء، أقصد البترول، والبترول قضية كبيرة وخطيرة لا يستطيع أحد أن يتعرض لها، لأنها تمثل مصالح دولية لن يفرط فيها أصحابها! وعلينا أن نرحب بهذه المنطقة التي أرفدت الحركة القومية العامة بمحض رضاها، وستكون كارثة إذا تصور الناس في هذه المنطقة أنها تخلصت من الوجود الإنكليزي لكي يبتلعها العالم العربي.وأقول لكم بمنتهى الوضوح: إن ما تطلبونه شيء فات أوانه بحكم الحقائق العربية والدولية، وإن الإنكليز لم يعودوا وحدهم في السيطرة على بترول الخليج، وإنما هذه السيطرة انتقلت أكثر إلى يد الأميركان، فإذا أراد أحدكم أن يضم دولةً في الخليج على غير رضى أهلها، فيجب أن يعرف سلفاً أنه يواجه قوة الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي يجب أن يعرف أن هذه المعركة فوق طاقتنا، وأقول لكم أيضاً إنها ضد مصلحتنا، لأننا يجب أن نشجع شعوب الخليج ودوله على الاطمئنان إلى أنهم في ظل الحركة القومية العربية، وأن الثروة النفطية لديهم ستولد حدوداً للتنمية على نطاق واسع، والذي قد يحقق نوعاً من التعاون الوثيق أقوى مئة مرة من الوحدة الدستورية!إننا كنا في وحدة اندماجية مع سورية، وكنا بلداً واحداً، ولكن لأن التفاعل بين الناس لم يحدث، فإن الانفصال جاء سهلاً، وعليكم أن تعرفوا مدى حساسية الغرب في موضوع الكويت".* * *لله درك يا عبدالناصر... فلم تساهم سياسياً باستقلال الكويت فحسب، بل إنك بهذه الكلمات أجّلت الهجوم عليها أكثر من ثلاثين سنة، إلى أن جاء الأحمق – صدام حسين – الذي لم يكن يدرك معنى كلماتك تلك، فقام بغزو الكويت، وها هي النتيجة ماثلة للعيان بالفاتورة الفادحة والكارثية التي يدفعها شعب العراق والأمة العربية برمتها!
مقالات
كيف ساهم عبدالناصر في استقلال الكويت؟!
25-02-2015