تصريحات السيدة الفاضلة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل بشأن خصخصة الجمعيات التعاونية وقرب الانتهاء من دراسة شاملة لهذا الموضوع بحاجة إلى وقفة للمراجعة والتحذير والتوضيح، نعم نشارك معالي الوزيرة التشخيص بفساد الجمعيات التعاونية في ممارسات الكثير منها مالياً وإدارياً، ويشهد للأستاذة هند الصبيح جرأتها في تحويل العديد من الحالات إلى النيابة العامة، ولكن هل خصخصة الجمعيات هي الحل السحري لهذا الفساد؟

Ad

مراجعة هذه الرؤية تكمن في أهمية دراسة فلسفة الجمعيات التعاونية ودورها البارز في تعزيز الثقافة التعاونية والمجتمعية، ومساهماتها المناطقية في دعم الكثير من الأنشطة، وسد إهمال الحكومة في مجالات كالصحة والتعليم وصيانة المدارس، وفتح مشاريع الممشى الرياضي، وغيرها من الأنشطة على مدى سنوات طويلة.

 كما أن الجمعيات التعاونية كانت ولا تزال مصدر رزق للأهالي وإن تفاوتت الأرباح السنوية بين جمعية وأخرى، ومن خلالها أيضاً برزت العديد من الكفاءات الشبابية والوطنية التي تدرجت لتصل إلى مراكز قيادية في الدولة؛ لذا فإن المراجعة تقضي بفهم أسباب نجاح جمعياتنا على مدى العقود الماضية، ثم تشخيص أسباب الإخفاق وعوامله ومن بينها الفساد والحرمنة في الفترة الراهنة.

أما التحذير من الخصخصة فيشمل بعدين: الأول فشل الكثير من مشاريع الخصخصة منذ التحرير إلى الآن سواءً في رفع كفاءة الإنتاج أو استقطاب العاملين الكويتيين واحتضانهم، أو المساهمة في تعزيز موارد الدولة المالية، وأتمنى من الوزيرة أن تطلب من زميلها وزير المالية دراسة شاملة لمشاريع الخصخصة ونتائجها حتى هذا اليوم في المحاور سالفة الذكر!

البعد الثاني من التحذير يكمن في حجم الفساد المستشري في الكثير من مشاريع الخصخصة الأخيرة، وهنا أيضاً أتمنى من السيدة الوزيرة طلب الإحصائيات الرسمية التي يعلنها زميلها وزير النفط ليل نهار حول سرقات وتجاوزات شركات الديزل التي كانت مملوكة للدولة فقط، وتم تحويلها إلى القطاع الخاص! والفساد الذي تقصده الوزيرة الصبيح ظاهرة وثقافة وسلوك ممتد في الكويت بالطول والعرض وعلى كل المستويات؛ لذلك فقد "قصّت الحق من نفسها" وقالت إن خصخصة الجمعيات التعاونية سوف تقضي فقط على 50% من الفساد فيها، فماذا عن الـ50% الأخرى؟!

تصريحات الوزيرة هند الصبيح بحاجة أيضاً إلى التوضيح، حيث إن الناس قد طفح بها الكيل، وهناك شبه إجماع على أن كبار التجار قد أكلوا الأخضر واليابس، وباتوا محصنين من المحاسبة والعقاب، فقد رفعوا الأسعار وأكّلونا اللحم الفاسد، وخربّوا مشاريع الدولة، وشفطوا الميزانية العامة التي هي ملك للشعب؛ لتسديد ديونهم وحل مشاكلهم المالية الناتجة عن إجراءات وصفقات فاسدة ووهمية، منها تسديد رواتب كبار قياداتهم بالملايين من الدنانير، ومع هذا لم نجد شخصاً واحداً مداناً أو تمت أية إجراءات عقابية ضده ولو عبر فطمه عن ثدي الحكومة!

 هذا الانطباع الشعبي سواءً كان  دقيقاً بالكامل أو بهامش من الصحة كفيل برفض مثل هذه الفكرة، ويسهل معها أيتها السيدة الفاضلة المعروفة بالاتزان والتدين والجدية اتهامك بمراضاة التجار على حساب الناس الغلبانة، لا سيما في هذه الظروف المالية والاقتصادية الصعبة!