بعد قبوله وكيلاً في النيابة العامة، وقبل أن يبدأ التحقيق، يسأل المتهم الجالس أمامه: هل تناولت الإفطار؟

Ad

 فيرد المتهم بــ»لا»، فيقوم بإعطائه فطيرة اعتاد كل يوم جلبها معه في العمل لتناولها، ثم ينتظر المتهم لتناولها قبل التحقيق معه.

رجل لم يجلس يوماً في حياته الوظيفية وطوال فرصة اللقاء به لأكثر من 15 عاماً بمكتبه الرئيسي في رئاسة المحكمة الكلية أو الاستئناف أو التمييز، كان دائماً يجلس على المقعد الأيمن المقابل لمكتبه، وكأنه أحد الضيوف لا صاحب المكتب!

سألته في بداية معرفتي به: لماذا لا تجلس على الكرسي الخاص بالمكتب لأنني أراك دائما تجلس على المقعد الأيمن البعيد عن مكتبك، فكان رده: «هذا هو المكان الذي أحب واعتدت الجلوس فيه».

عندما طعن البعض في ذمته وأمانته بادر مع المستشارين يوسف المطاوعة وإبراهيم السيف إلى تفويض النائب العام وهيئة مكافحة الفساد للتحقيق في الأمر، وبمخاطبة البنوك الخارجية للتأكد من حقيقة المعلومات التي تبنتها تلك الحملات، بل حرص في تلك الأزمة التي واجهت القضاء إلى الخروج دائماً والتأكيد على نزاهة وأمانة رجال القضاء، والتأكيد على أن من لديه شيء فليقدمه إلى جهاز التفتيش القضائي للتحقيق فيه بهدف طمأنة الناس إلى عدم صحة ما يثار حفاظاً على ثقة الناس بالقضاء.

قرر الرحيل منذ عام، لكنه انتظر إلى أن ينتهي التحقيق في قضية الحسابات المالية التي ظلم فيها هو والمستشاران يوسف المطاوعة وإبراهيم السيف حفاظا على سمعة القضاء وصورته وحفاظا على اسمه واسم عائلته.

جمع أغراض مكتبه منذ أسابيع واختار وقت الرحيل رغم ما تبقى له من سنوات قبل سن التقاعد القضائي، لكنه اختار الجلوس مع أسرته بعد أن اطمأن على وضع القضاء وحال رجاله، ولم يعد يفصل رحيله عن المنصب سوى أسابيع بسيطة على إقرار قانون استقلال السلطة القضائية الذي يضمن لرجاله العديد من المطالب التي كانوا ينتظرونها والذي ساهم في إعداده.

رفع راية الإصلاح القضائي، فكان يرى أن الإصلاح هو بتطوير جهازي التفتيش القضائي ومعهد القضاء ودعمهما، ولم تعجبه يوماً التبعية الإدارية التي يعيشها القضاء، فكان يردد «نحن سلطة كفل لها الدستور العمل كباقي السلطات»، ودائماً ينتقد عدم اهتمام السلطة التنفيذية لمطالب القضاء ومطالب رجاله، وعدم تطوير مبانيه ونقله من حال إلى حال أفضل، ويضرب الأمثلة بمباني دول المحاكم التي قام بزيارتها، ودائماً ما يقول: «إن إصلاح القضاء شأن داخلي، فالقضاء يجب أن يطهر نفسه بنفسه كالماء الجاري».

لم يقف عائقاً أمام مطالب محاسبة القضاة عن طريق قانون مخاصمة القضاء، بل طالب أن يكون الأمر بضوابط، حفاظاً على أداء وسمعة رجال القضاء، مؤكداً أن القضاة ليسوا فوق القانون، وسبق له مطالبة القضاة بالابتعاد عن الأعمال التجارية وإبداء الآراء السياسية والبعد عنها لدى المشاركة في شبكات التواصل الاجتماعي حفاظاً على حيدة عمل القاضي، كما أنه كان من أشد المؤيدين لتعيين المرأة في النيابة العامة وعينت في عهده 22 وكيلة للنيابة العامة.

 شارك بقيادة سفينة القضاء عندما كان رئيساً للمحكمة الكلية وعضوا في مجلس القضاء فرئيساً لمحكمة الاستئناف، وأخيرا رئيسا لمحكمة التمييز ومجلس القضاء، وقائدا لسفينة قادها بتواضع وحكمة، وتمكن من إيصال ركابها بنجاح باهر وعطاء غيرمنقطع، رغم شدة العواصف التي كانت تحيط بها!

مهما كثرت الأسطر وتعددت الكلمات فلن تعطيك حقك، ومهما بلغ الشكر والثناء فلن يوفيك قدرك، عملت فأصبت يا فيصل المرشد، وباستقالتك خسر القضاء وربحت أسرتك.