السينما الرومانسية الأجمل

نشر في 21-01-2015
آخر تحديث 21-01-2015 | 00:01
 طالب الرفاعي كتبتُ كثيراً عن مقتي لإصرار إمبراطورية هوليوود على إنتاج أفلام عنف ورعب، تغذي مزيداً من الوحشية في قلب الإنسان، وكنت ولم أزل، لا أجد تفسيراً منطقياً لإقبال الجمهور في كل أنحاء المعمورة على هذه الأفلام، وخاصة تلك التي تمجّد بطولة العنف والتوحش والقتل!

جذبني فيلم "نظرية كل شيء - The Theory of Everything" الذي يتناول حياة عالم الفيزياء النظرية الأهم في القرن العشرين البريطاني (ستيفن هوكنك - Stephen Hawking) المولود عام 1942، إخراج جيمس مارش- James Marsh، وبطولة النجم الشاب إيدي ريدماين - Eddie Redmayne، والنجمة الشابة فيلستي جونس - Felicity Jones، وكلاهما مرشح لنيل جائزة الأوسكار لعام 2015 عن أفضل ممثل، إضافة إلى ترشيح الفيلم كأفضل فيلم.

الفيلم يأتي بصيغة الأفلام الوثائقية، لكنه فيلم روائي بامتياز، إنساني الصبغة يقص بأسلوب لافت حياة أحد أهم علماء الفيزياء في عصرنا الراهن، (ستيفن هوكنك) الذي نَشَرَ عام 1988 كتاب "تاريخ موجز للزمن" وهو أحد أهم كتب الفيزياء الذي جعل من فهم الظاهرة الكونية مجالاً متاحاً لجمهور القراء.

الفيلم يتناول حياة هوكنك، منذ كان طالباً جامعياً وبدء علاقته بشريكة حياته (جين وايلد - Jane Wilde) التي ارتبط بها عام 1965، وأنجب منها ثلاثة أبناء. وإصابته بمرض "التصلب الجانبي"، الذي رأي الأطباء أنه لن يستطيع بسببه العيش لأكثر من سنتين، وقصة كفاحه مع المرض وعلاقته الأسرية من جهة، وإصراره على العلم النظري بغية الوصول إلى نظرية تفسر الكون من جهة أخرى.

الفيلم أقرب إلى الصيغة الرومانسية التي باتت بعيدة عن إنتاج هوليوود، ربما لموت زمن الرومانسية في عصر ثورة المعلومات ومحركات البحث وشبكات التواصل الاجتماعي، وربما لأن روح إنسان القرنين العشرين والواحد والعشرين ما عادت تحتمل رومانسية في زمن التوحش والإرهاب والجنس الرخيص.

يقف الفيلم باقتدار أمام قضية قدر الإنسان في الحياة. فإصابة بطل الفيلم بمرض عضال كان كفيلاً بإنهاء حياته العلمية والبشرية، لكن تصميم الإنسان بإرادة الحياة، ووقوف أقرب الناس إليه ومساندتهم له في اجتياز محنة العيش، جعلت من شخصية هوكنك نموذجاً غير عادي، ووفّرت للفيلم مدخلاً لأن يحفر لنفسه حضوراً لا يمكن تجاوزه على مستوى الأفلام الوثائقية الدرامية.

حين يهمس الطبيب في أذن هوكنك بأنه مصاب بمرض عضال وأنه لن يعيش أكثر من سنتين، وبما يجعله يعتزل العالم ممثلاً بابتعاده عن حبيبته وهما في بدء مشوار حياتهما العاطفية، فإنها تصرّ على اقتحام وحدته وعلى إقناعه بالتمسك بالحياة وبالتالي تجاوز كل ما يقف في وجه علاقتهما، وهذا ما حصل بزواجهما وإنجابهما لثلاثة أبناء.

الفيلم يقدم نموذجاً للعلاقة الزوجية بتعلق وإيمان جين بزوجها هوكنك رغم إعاقته، وإصرارها على إدارة شؤون زوجها وأبنائها وشأن دراستها، ولحين لقائها برجل آخر يقتحم عالم الأسرة، ويقترب منها عاطفياً، ومجيء قرار الزوج هوكنك، بالسفر إلى أميركا للإقامة مع امرأة أخرى، وجد أنها أقدر على قراءة روحه. ما يجعله يهجر بيت الزوجية، ويدفع طليقته للارتباط بزوج آخر، وبالرغم من ذلك، وحين دعت ملكة بريطانيا هوكنك للتكريم يتصل بحبيبته اعترافاً منه بفضلها عليه، ويصطحبها معه إلى لقاء وتكريم الملكة، ولو أنه رفض، لسبب أو لآخر، لقب فارس الذي منحته إياه الملكة.

كلمة هوكنك الأهم تأتي في محاضرته ومقابلته مع طلاب الجامعة، حين يقول بما معناه (لا يأس مع الحياة)، وكلمة الفيلم الأهم تأتي حين يقدم في قرابة الساعتين حياة أعظم عقول القرن العشرين الذي يقاوم مرض خبيث لكنه لا يكف عن العمل والابتسام.

back to top