منذ ١٠ سنوات على صدور حكم المحكمة الدستورية بإلغاء تسع مواد من المرسوم بقانون الخاص بالتجمعات العامة وإثر الحكم بعدم دستوريتها، والحكومة لم تستطع حتى الآن تقديم بديل عنها خشية الطعن مجدداً فيها لمخالفتها ما انتهت إليه المحكمة الدستورية من شرح لنص المادة ٤٤ الخاصة بحرية تنظيم الاجتماعات العامة التي كفلها الدستور!

Ad

ليست تلك المواد وحدها التي قررت المحكمة الدستورية القضاء بعدم دستورية، بل أن هناك نصاً عاشراً والذي يحظر على الأجانب التجمع والتظاهر، لأنها اعتبرته نصاً خالياً من توقيع العقاب، وبالتالي فهو نصّ ظاهره الحظر وباطنه الإباحة لأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون، والقانون خلا من تجريم ذلك الفعل!

وبعد صدور حكم المحكمة الدستورية في قضية التجمعات وماتضمنه من تأكيد لمبادئ دستورية مهمة إلى درجة انني اعتبره وثيقة دستورية مكمّلة لدستور عام 1962، تذكر السلطات العامة بالحقوق الطبيعية التي كرّسها ذلك الدستور، وجعل في مقدمتها الحقوق المرتبطة بكرامة الإنسان وآدميته ومروراً بحقوقه اللصيقة بشخصه وبحرياته وانتهاء بحقه في فرض رقابة الرأي العام التي بدأت تنحسر شيئاً فشيئاً بسبب موجة القضايا وضيق السلطة من التعامل معها على أنها حق للمواطنة في أن يمارسها!

اليوم، وبعد صدور دستور 1962 وصدور وثيقة حكم الدستورية في قضية التجمعات منذ ١٠ سنوات والسلطة ممثلة بالحكومة تستبدل نصوصاً كالتجمهر الواردة في قانون الجزاء وماتبقى من قانون التجمعات لمعالجة الأحداث التي تحدث عوضاً عن النصوص الملغاة من المحكمة الدستورية بعدما عجزت وللأسف هي والمجالس المتعاقبة على حكم الدستورية من إيجاد قانون يتلاءم مع حكم المحكمة الدستورية والدستور، ويمنح للأفراد حرياتهم وحقوقهم في التجمعات والاجتماع العام دون قيود تمنع أصل الحق وتضييقه!

منذ صدور حكم المحكمة الدستورية في قضية التجمعات والصراع على الحريات يشتد أمنياً أو حتى ما يقدم عبر المشاريع الحكومية الداعية إلى تقييد الحريات كقانون الإعلام الموحد الذي تراجعت عنه الحكومة أخيراً، وكذلك إلى طرح نصوص الاتفاقية الأمنية الخليجية في مجلس الأمة رغم أن نصوصها المعروضة تخالف نصوص الدستور وتقوّض نظامه وتجعل من مبادئه حبراً على ورق بعد أن تفرغه من كل أساسيات السيادة وحق المحاكمة العادلة والاتهام والملاحقات وحرية الرأي والتعبير عنها وغيرها.

في الختام أقول، إنه على الحكومة مراجعة نصوص الدستور وقواعده والحقوق الطبيعية للمواطن والحكم الصادر من المحكمة الدستورية في قضية التجمعات مجدداً، لعلها تدرك حجم سوء التعامل الذي تلاقيه قضايا الحريات العامة اليوم، ولعلها تعود إلى رشد احترام الدستور وأحكام القضاء.