رواية أشرف الخمايسي

نشر في 13-04-2015
آخر تحديث 13-04-2015 | 00:01
 فوزية شويش السالم توقفت عن قراءة روايات البوكر العربية منذ عام 2013، من بعد متابعتها في كل الأعوام السابقة منذ بداياتها، وتقريبا قرأت كل روايات القائمة القصيرة فيها ما عدا رواية "عزازيل" ورواية "مديح الكراهية"، ثم توقفت بسبب ضعف مستوى الروايات عن مقياس جائزة البوكر العالمي، فكل الاختيارات لم تكن بمستوى الجائزة، والرواية التي استحقت جائزة البوكر بجدارة في رأيي هي رواية "طوق الحمام" لرجاء عالم، ومن بعدها لم أجد رواية تليق بمستوى الجائزة، إلى أن قرأت رواية "منافي الرب" للكاتب المصري أشرف الخمايسي، بعدما قرأت تعليقات كثيرة عنها، حينما وصلت إلى القائمة الطويلة لبوكر 2014، وبصراحة دهشت من عدم وصولها إلى القائمة القصيرة للجائزة لأنها تستحق جائزة البوكر وبجدارة، وهي ثاني رواية من بعد "طوق الحمام" تأتي بمستوى روايات البوكر العالمية التي فازت بهذه الجائزة، مما يثير الشك والأسئلة حول معيار الاختيارات ومستوى الحكام، وهل كل هذه الأعمال تُقرأ بجدية وجد؟

"منافي الرب" رواية دسمة عميقة كشفت عن قدرات لكاتب جاد متمرس في البناء الروائي الصعب القادر على خلق عوالم متشابكة في نسيج معقد ليس من السهل على أي كاتب أن يقوم به، فأغلب الكتابات الروائية على لسان راوٍ بصوت واحد أو أكثر بقليل، يدور حولها سرد سطحي سهل بسيط منقول من واقع المجتمع أو "أكشن" السينما، وهو الأغلب في الكتابات الشبابية، لكن لا أحد منهم استطاع أن يقدم سرداً بمثل هذا العمق التحليلي التأملي الذي يطرح أسئلة في فلسفة الوجود والحياة والموت والأديان "من يحب لا يعذب، يكره الإنسان نفسه، فيعذبها بالأعراف، ويبرر كبتها بالخطيئة، ومخافة الرب، مخلوق أيها الإنسان لتحاور الآب، وتصنع مشيئتك، لا أنت ملاك، ولا أنت شيطان، كمالك بنقصك، وفي نقصك اكتمالك".

معالجة روائية حافلة بالقضايا الفكرية التي تدور حول فلسفة الحياة والموت والخلود ومعالجة الأديان لها في سرد يتداخل فيه الكون كله، وينعجن التاريخ بالإنسان بالمكان الجغرافي وطبيعته، والدين الإسلامي بالمسيحي في نص درامي تأملي تفكيكي لكل معنى، وكل تأويل للطبيعة والبشر والحجر والمعجزات والأساطير والفناء.

أشرف الخمايسي قدم عالم الصحراء بصورة سينمائية عالمية محملة بلغة ثرية استطاعت أن ترسم صورة جديدة لعالم الصحراء ورعاتها، في منطقة صحراوية معزولة عن الحياة المدنية تسمى "الوعرة"، أجاد تصويرها ووصف الحياة فيها بكل ما دار عليها في ماضيها وحاضرها، عاداتها وتقاليدها وتضاريس صحرائها وكهوفها وعواصفها وشعابها، وحتى ذئابها وجمالها، تداخلت أصوات الأحياء والأموات والأزمنة والأمكنة في تقطيع مشاهد تتقدم فيها الأحداث وتتأخر، ليموت الأحياء ثم يحيوا من جديد، ليعاودوا موتهم ثم حياتهم، وهكذا تختلط الأحداث وأصوات الرواة وأزمنتهم وأمكنتهم وخيالاتهم وأساطيرهم من خلال سرد لحياة، ثلاثة عجائز يُنطوي الكون فيهم وفي حكاياتهم التي تتشظى مشاهدها وتتداخل أزمنة الرواة بأصوات الجدود والآباء والأحفاد والتساؤلات فالعجوز "حجيزي" يسأل: لماذا يدفن الناس أعز الناس؟" و"ما الذي أتى بي خلف هذا الراهب؟! أنا أبحث عن صحة جسدي بعد موته، وهو يبحث عن هلاك جسده المملوء بالحياة"، "لا يعيش الحياة من يقضى أوقاتها في التفتيش، ثم إن "شديد أباك علمك التفتيش في أخطر صندوق، جسم الإنسان، ومن يعلم سر صنعة الإنسان يكرهه".

الرواية تحفل بالموت والحياة، ويغذيها الجنس كمحرك ونبع ورافد مهم في هذه الرواية، لأنه مظهر من مظاهر الوجود الأساسي فيها، وجاءت لغة تصوير المشاهد الجنسية بعيدة عن المباشرة، حيث امتلأت بالمرادفات التي تمنح معنى صوريا وتأويليا يحميها من الفضح المعلن، لكنها كانت تضج بالعنفوان الذي يتحول أحياناً فائضاً عن المشهد، ويسحب من القارئ إمكانية تصديقه، فقد كان أداء المشهد الجنسي ما بين سعدون وزليخة غير متسق مع شخصية سعدون الراعي الصحراوي الصعيدي، لا يتسم هذا الأداء مع الشخصية وطبيعة حياتها وفكرها وتعليمها وعاداتها وتقاليدها، وحتى تصرفاته وطباعه وسلوكه البسيط لا يكشف عن هذه الثقافة الجنسية العميقة، الأداء كان يليق برجل فرنسي لا براعٍ صعيدي مغروز في صحراء مختفية بالعدم، وهو العيب الوحيد الذي أحسسته في هذه الرواية، مما أثار بي هذا السؤال: لماذا لا تأتي الرواية العربية باكتمالها، هل لأن الاكتمال موت؟ أم أن الانسياق خلف أحاسيس الكاتب ينقص الاكتمال بالإطالة؟

back to top