أسدلت المحكمة الدستورية، أمس، الستار على حكمها بالطعون الانتخابية المقامة على سلامة العملية الانتخابية والمجلس الحالي، بمناسبة الانتخابات التكميلية السابقة، وقررت المحكمة برئاسة المستشار يوسف المطاوعة وعضوية المستشارين محمد بن ناجي وخالد سالم وخالد الوقيان ود. عادل بورسلي، رفض الطعن المقام من المحامي صلاح الهاشم، والذي يطالب فيه بزوال عرض مرسوم الصوت الواحد على مجلس ديسمبر 2012 المبطل الثاني، لعدم عرضه على مجلس الأمة في أول جلسة.

Ad

 ورأت المحكمة في حيثيات حكمها سلامة الإجراءات التي اتبعت بعرض مرسوم الصوت الواحد، لأن المكلف بعرضها هي الحكومة، وليس مجلس الأمة، وأن المقصود بالعرض في أول جلسة هي أول جلسة تعقد بعد إعلان النتائج، كما أن إجراءات العرض من قبل الحكومة وتصويت المجلس الآلي كانت صحيحة وفق نص المادة 71 من الدستور.

وفي الطعن الانتخابي الآخر المقام من الناخب أحمد الفيلكاوي بشأن دعوى وزير الداخلية للانتخابات التكميلية، وقررت المحكمة رفض الطعن وعدم قبول الدعوى بعدم دستورية المادة 18 من القانون رقم 35 لسنة 1962 في شأن انتخابات مجلس الأمة.

وفي الطعون الانتخابية المقامة في الانتخابات التكميلية رفضت المحكمة الدستورية كل الطعون الانتخابية على الانتخابات التكميلية في الدوائر الثانية والثالثة والرابعة، وانتهت الى سلامة عضوية النائب فارس العتيبي في الطعن المقام من المرشح هشام البغلي ضده، وبتوافر شروط الترشيح بحقه، لافتة إلى أن الحكم النهائي الصادر بتقرير الامتناع عن النطق بعقابه في قضية سابقة تعد من قبيل التدابير، والتي لا تؤثر في العضوية.

من جانب آخر، قررت المحكمة تأجيل النطق بالحكم في الطعن المقام على المادة 34 من قانون الجزاء، والتي تعاقب على التجمهر وبعض مواد قانون التجمعات الى جلسة 10 ديسمبر المقبل.

عوار دستوري

وفي الطعن الأول الذي نظرته المحكمة الدستورية، والمقام من المحامي صلاح الهاشم، قالت المحكمة في حيثيات حكمها إنه عن الدفع المبدى من الحكومة، والدفع المبدى من مجلس الأمة بمقولة الطاعن قد قصر طعنه على محض الادعاء بوجود عوار دستوري في إجراء عرض المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 على مجلس الأمة، دون أن يحدد الطاعن في طعنه بصورة واضحة بيان أثر هذا الأمر على عملية الانتخاب التي تمت في دائرته الانتخابية على ضوء ما أسفرت عنه نتيجتها، متجاوزا الطاعن بطعنه النطاق المحدد للطعن الانتخابي، فهو دفع في غير محله، ذلك أن الدفع الموجه الى أسباب الطعن أو الى أسانيد الطاعن التي يبنى عليها طلبه لا يصلح أن يكون محلا للدفع بعدم القبول.

وأوضحت: إذ إن من شأن الاستجابة لهذا الدفع مصادرة حق الطاعن في إبداء دفاعه الموضوعي، والحاصل أن الطاعن قد انصب طعنه على عملية الانتخاب ذاتها، باعتبار أنها قد اجريت بالفعل على اساس ذلك المرسوم، وأن العيب الدستوري الذي وجهه الطاعن لعملية الانتخاب هو وفق طبيعته ـ إن صح ـ لا يلحق بعملية الانتخاب في دائرته الانتخابية فحسب، وإنما يصم حتما عملية الانتخاب برمتها، وإذ كان هذا الأمر إنما يتصل في حقيقته بالسبب الذي ساقه الطاعن في طعنه، ما يقتضي معه الفصل في الموضوع، فإن الدفع بعدم القبول يكون غير قائم على أساس صحيح، متعينا رفضه.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن المادة 71 من الدستور تنص على أن "اذا حدث في ما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على ألا تكون مخالفة للدستور او للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية.

وتابعت: ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الامة خلال 15 يوما من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائما، وفي أول اجتماع له في حالة الحل او انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة الى إصدار قرار بذلك، أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر".

وقد رددت اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ذات النص في المادة "111" منها.

تصور خاطئ

ولفتت المحكمة الى أنه لما كان ذلك، وكان الطاعن قد ساق طعنه ببطلان عملية الانتخاب على سبب واحد، قام على محض افتراض بزوال المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 لعدم عرضه على مجلس الأمة، حيث بنى الطاعن ذلك الافتراض على تصور خاطئ بأن المخاطب بحكم الفقرة الثانية من المادة "71" من الدستور "بوجوب العرض" هو مجلس الأمة.

في حين أن المخاطبة بهذا الحكم هي الحكومة وليس مجلس الأمة، والحكمة في عرض هذه المراسيم على المجلس من جانب الحكومة ظاهرة واضحة وهي أنها تتمسك بهذه المراسيم، باعتبار أنها هي التي استصدرتها، وأنها تريد العمل بها، ومع ذلك فهي تقدمها ليبدي المجلس رأيه فيها، إما بالإقرار أو عدم الإقرار، لأنه صاحب الرأي الأعلى في ذلك، فالعرض على المجلس بمعنى إيداعه في المجلس، وعرض الشيء لغة: أظهره وأبرزه وأعطاه، والأصل في ضرورة العرض ليس مجرد العناية بالأوضاع والأشكال، وإنما هو لتمكين المجلس من تمحيصها وفحصها ودرسها، والخلوص الى رأي فيها بما يستتبع ذلك أن يكون عرض هذه المراسيم من جانب الحكومة على مجلس الأمة عرضا فعليا، كافيا وافيا.

وأضافت: كما أن المقصود بعبارة في أول اجتماع لمجلس الامة هو أول اجتماع له يلي الانتخابات العامة لإعلام المجلس بهذا الإيداع، أما في اشتراط تلك الفقرة من هذه المادة بوجوب عرض المراسيم عند أول اجتماع له، فهو زيادة في الاحتياط حتى لا تؤجل الحكومة عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة عن قصد أو اهمال، وحتى لا يبقى أمر هذه المراسيم معلقا، فتظل لها قوة القانون وتستمر الى أمد طويل لا حد له، دون عرضها على مجلس الأمة، ومتى كان ذلك، وكان المستفاد من نص الفقرة الثانية من المادة "71" من الدستور وما رددته المادة "111" من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة أن قوة القانون التي تحملها المراسيم الصادرة في غيبة مجلس الأمة تظل بها ولا تزول عنها إلا في حالتين: الأولى: إذا لم تعرض على مجلس الأمة في أول اجتماع له. الثانية: إذا لم يقرها المجلس، وكان الثابت بيقين أن المرسوم بقانون رقم "20" لسنة 2012 المشار إليه قد تم عرضه على المجلس بإيداعه لديه، حيث أقره المجلس بالفعل. فمن ثم يغدو ما أثاره الطاعن في سبب طعنه على غير سند صحيح، متعينا القضاء برفضه.

الطعن الثاني

وفي الطعن الثاني المقام من المرشح أحمد الفيلكاوي، والذي يطعن بعدم دستورية قرار وزير الداخلية بالدعوة إلى الانتخابات التكميلية، في حين أن الأصل أن تصدر الدعوة  للانتخابات بمرسوم قالت المحكمة الدستورية إنه عن الدفع المبدى من الطاعن بعدم دستورية المادة 18 من القانون رقم 35 لسنة 1962 في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة، والتي تنص على أن "يحدد ميعاد الانتخابات العامة بمرسوم، ويحدد ميعاد الانتخابات التكميلية بقرار من وزير الداخلية..." قولا من الطاعن بمخالفة هذا النص لأحكام الدستور في المواد "7" و"8" و"29" و"50" و"80" و"108" و"130" من الدستور، فهو دفع مردود بأن الدستور حرص على أن يحدد بالضبط المواعيد التي تجرى فيها الانتخابات، ولم يتركها تحت تصرف السلطة التنفيذية.

وتابعت: بل قيّدها بمواعيد معينة يجب أن تجرى فيها الانتخابات، وهي مواعيد حتمية لا يجوز تجاوزها، فنص في المادة 83 على أن "مدة مجلس الأمة أربع سنوات ميلادية من تاريخ أول اجتماع له، ويجرى التجديد خلال الستين يوما السابقة على نهاية تلك المدة..." كما نص في المادة 84 على أنه "إذا خلا محل أحد أعضاء مجلس الأمة قبل نهاية مدته، لأي سبب من الأسباب، انتخب بدله في خلال شهرين من تاريخ إعلان المجلس هذا الخلو..".

ونص في المادة "107" في حالة حل مجلس الأمة على أنه "وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل..."، والحكمة في تحديد هذه المواعيد واضحة جلية، وهي أن الانتخاب يتضمن استعمال الناخبين حقهم السياسي في إظهار رأي الأمة، وإذا لم تراع المواعيد التي حددها الدستور، ففي ذلك انتقاص لحق الناخبين في استعمال حقهم في المدد التي حددها الدستور على وجه التعيين لإجراء هذه الانتخابات، وهذا الحق مظهر من مظاهر سيادة الأمة.

 وبالترتيب على ذلك فإن كان للسلطة التنفيذية الحق في اختيار اليوم الذي تتم فيه دعوة الناخبين للانتخابات، إلا أنها مقيدة في ذلك بألا تتجاوز المدى المحدد لإجرائها وفقا للدستور، وقد قصد الدستور من تحديد هذا المدى أن يعطي الحكومة الفرصة الكافية حتى تتمكن خلال ذلك المدى من اتخاذ الإجراءات لتنفيذ ما يترتب عليه عملية الانتخاب من أعمال، وأن تعد العدة لإجرائها.

الانتخابات التكميلية من صلب اختصاص «الداخلية»

لفتت المحكمة الى انه لما كانت اللائحة الداخلية لمجلس الامة ـ في خصوص ملء المحال الشاغرة ـ قد نصت في المادة "18" منها على أنه "اذا خلا محل أحد اعضاء مجلس الامة قبل نهاية مدته لأي سبب من الأسباب أعلن المجلس ذلك، وعلى رئيس المجلس أن يبلغ رئيس مجلس الوزراء فورا بهذا الخلو لانتخاب عضو آخر وفقا للمادة "84" من الدستور، وكان البين من نص هذه المادة، ونص المادة "84" من الدستور ان تقرير خلو المحل هو من صميم اختصاص مجلس الأمة وحده، فليس للحكومة أن تجري عملية الانتخاب في هذه الحالة، بغير أن يكون المجلس هو الآمر بها.

 وأردفت: بالتالي فإنه ليس من شأن تنفيذ قرار المجلس بهذا الخلو، وأن يعهد المشرع في قانون الانتخاب الى وزير الداخلية بإصدار قراره بتحديد اليوم الذي تتم فيه دعوة الناخبين للانتخاب لملء هذا المحل، إلا أن يكون احتراما لقرار مجلس الأمة لا افتئاتا عليه، وهو ما يبرز الفارق الجوهري بين الانتخابات التكميلية والانتخابات العامة في حالة انتهاء مدة المجلس أو حله، ويبرر وجه المغايرة في تحديد إجراءات دعوة الناخبين للانتخاب، ويسقط الحجة بوجوب أعمال القياس بينهما، فضلا عن أن وزارة الداخلية هي المعنية أساسا بهذا الأمر، وما تتطلبه عملية الانتخاب من أعمال هي بحكم القانون تدخل في صميم شؤونها، وإذا كان الأمر كذلك، وكان الحكم المقول به بوجوب أن تكون دعوة الناخبين للانتخاب في هذه الحالة بموجب مرسوم ليس مستفادا من نصوص الدستور، وكان ما ذكره الطاعن في الدفع المبدى منه بعدم دستورية المادة 18 من قانون الانتخاب بادعاء مخالفتها لنصوص المواد "7" و"8" و"29" و"50" و"80" و"108" و"130" من الدستور، هو ادعاء على غير سند صحيح مفتقدا لجديته وإقحام لهذه النصوص في غير موضعها ومجالها.