التشكيلي عادل السيوي: الحكاية سر اللوحة وأفضل ما أنتجه البشر
عاد الفنان التشكيلي عادل السيوي إلى حقبة الستينيات في معرضه الأخير «نجوم عمري» كي يستعيد، حسبما يقول، زمناً جميلاً كانت فيه الروح وثابة، لنستلهم منه رؤانا للحاضر والمستقبل. والسيوي تشكيلي مصري عاشق للوجوه ومولع بالحكايات، فخلف كل لوحة له تكمن حكاية ما تعكس ثقافته التي تميزه عن أقرانه من الفنانين. هو الطبيب الذي ترك المشرط ليمسك بالفرشاة مقدماً أعمالاً فنية تزينت بها متاحف ودور عرض في شتى دول العالم. من خلال رسم الوجه أنبثقت تجربته في فن البورتريه الذي جسد من خلاله كثيراً من رموزنا الفنية والسياسية.
ينتمي عرضك الأخير «نجوم عمري» إلى فن البورتريه. لماذا لجأت إليه وكيف ترى معرضك في هذا الإطار؟
للبورتريه ملامح متعارف عليها، وثمة فنانون كثيرون اشتغلوا على النجوم والمشاهير، وقد رسمت هذه النجوم في محاولة لاستعادة سنوات المراهقة، تلك الفترة التي أعتبرها إحدى أسعد فترات حياتي بداية من عمر 14 عاماً، حيث اكتشاف العالم والسينما وبداية الحب، فترة مغادرة الطفولة والدخول إلى مرحلة الشباب. كانت هذه الفترة مرتبطة بالنجوم، أردت تقديم إهداء لسنوات عمري، فأطلقت على المعرض اسم «نجوم عمري». كنت أكبر وكان بلدي يكبر أيضاً، كان ذلك قبل نكسة 67. كنت أستعيد فرحة لم تذق طعم الهزيمة، أردت أن أجعل هؤلاء النجوم على مقربة مني.كيف يعمل الفنان على ابتكار حوار بصري بين الجمهور ونخب المتأملين في روح اللوحة؟أعتقد أن مهمة الفنان تكتمل بإنتاجه عمله الإبداعي، وابتكار الحوار وإيصال الإبداع إلى الجمهور، ليست إحدى مهام الفنان. إنها مهمة مؤسسات تعليمية وفنية وثقافية وجمعيات ودوريات وحركة نقدية... إلخ.تكمن خلف كل لوحة ترسمها حكاية ما، فما السبب وهل تعتقد بأن المتلقي قادر على قراءة حكايات أعمالك؟يظهر العمل الفني للعين كله مرة واحدة، وبعد ذلك تنتقل العين إلى التفاصيل. حتى خلال مراقبتك للتفاصيل، يكون الكل حاضراً دائماً. اللوحة حكاية تسير في الاتجاهات كلها في الوقت نفسه، وهذا هو سحر الحكاية البصرية. في بدايات القرن العشرين ولدت التجريدية واعتقد البعض أن التجريد، يعني أن العلاقة بين التصوير والحكاية قد انتهت بلا رجعة. شخصياً، أرى أن التجريديين كانوا يروون الحكايات أيضاً، ولكن يمكن أن نقول إن أبطالهم كانت الأشكال والألوان والخطوط والأضواء، وليست أشخاصاً أو كائنات. أنا مولع بالحكايات بالمعنى التقليدي للحكي، بمعنى: يحكى أن، أو كان فيه، وأعتقد أن الحكايات أفضل ما أنتجه البشر، وأنها ديوان وتاريخ مشاعرهم وأفراحهم ومخاوفهم أيضاً، وفي الحكاية ثمة دائماً مساحة للحرية ولترتيب العناصر، ما يجعلها خاصة بمن يرويها، ولذا فهي واقع وخيال معاً. أحاول في لوحاتي أن تظهر العناصر وكأننا أمام حكاية بسيطة، ثم تبدأ بعدها هواجس وتتضح إشارات كامنة حول حكايات أخرى ممكنة خلف ما نشاهده، وأي حكاية نسمعها تشير إلى حكايات أخرى لم تزل طي الكتمان. تتقادم الحكايات ولكن اللون يظل معاصراً، وهكذا الضوء، كما تشرق الشمس كل يوم، إنه الضوء القديم نفسه ولكنه ضوء هذا اليوم تحديداً. الضوء مثل اللون ابن يومه وابن كل يوم يأتي. تبدل الحكاية ألوانها ونقاط ارتكازها مع كل عصر، وتجد دائماً طريقة جديدة للتشكل رغم ثبات عناصرها.من هو جمهورك المستهدف إذا جاز لنا تحديد نوعيته؟أعتقد أن الفنان لا يستهدف جمهوراً بعينه، ولكن لدي أمل أن تتسع دائرة المهتمين بأعمالي بغض النظر عن خلفياتهم.هل تعتقد أن انتشار قاعات العروض الفنية تعكس ازدهار الحركة التشكيلية؟ يعكس انتشار القاعات الخاصة نمواً وإن كان لا يزال محدوداً في اتجاهين، أحدهما السوق الفني بمعنى وجود عرض وطلب يشكل مساحات للعرض وللبيع، ومن ناحية أخرى يكون اتساع قاعات العرض بداية للتخصص لتصبح لدينا قاعات تحاول ألا تكون محصورة داخل مجال البيع فقط، إنما تصبح لها رؤية تجسدها اختيارات القاعة لأسماء الفنانين ونوع العمل. مثلاً تأسيس غاليري متحمس للشباب وآخر للأعمال التجريبية المعاصرة... باتساع قاعات العرض ينمو العرض والطلب، بالإضافة إلى تفعيل الدور الثقافي والفني لقاعات العرض.شاركت أخيراً في تحكيم جائزة {عبلة} للتصوير}، واقتنيت أعمالاً للمشاركين. ما هي رؤيتك لضرورة انتشار الجوائز المستقلة لتدعيم شباب الفنانين.ثمة جهات عدة مسؤولة عن تطور الثقافة من عدمه: المؤسسات الرسمية كافة المرتبطة بالعمل الثقافي إلى جانب المؤسسات الربحية ومؤسسات المجتمع المدني غير الهادفة للربح، والمثقفون والفنانون كلهم، فضلاً عن الجمهور المتلقي للثفافة والفنون. هي صناعة ثقافية متكاملة المثقفون جزء منها، ولا أعتقد في إمكانية النهوض من دون تكامل اللاعبين الأساسيين.الثقافة ليست مسؤولية الدولة وحدها، وقد رحبت بمبادرة {عبلة} لأنها ليست مجرد جائزة يمنحها فنان راسخ لفنان شاب، إنما لكونها بالمثل مبادرة فنان رأى أن نوعه الفني الذي يقدمه يتراجع، وأقصد التصوير أو لوحة الحامل، وحضوره في المعارض العامة يتقلَّص، ففكر في مبادرة ذاتية للدفاع عن هذا المجال. هي إذا ليست مجرد جائزة، بل خطوة داعمة لمجال، أتمنى أن تحدث مبادرات على الضفة الأخرى للمجالات الفنية، خصوصاً في ما يخص الأعمال التي يصعب تسويقها كي لا يصبح الفنان مقيداً اقتصادياً، كأن يدعم رجال الأعمال أو المؤسسات التجارب المعاصرة التي يصعب تسويقها.ترجمت أعمال دانتي الشعرية الكاملة، فضلاً عن {نظرية التصوير} لليوناردو دافنشي و{التشكيل} لبول كلي. لماذا خضت هذه التجربة وماذا أضافت إليك كفنان تشكيلي؟أنا مترجم هاو، والمترجم الهاوي يختلف عن المتخصص. أونغاريتي نفسه ترجم أشعار إدغار آلان بو إلى الفرنسية، وصلاح عبد الصبور وحسن سليمان ورمسيس يونان ترجموا أعمالاً أيضاً. ثمة مبدعون ترجموا كهواة، أما ترجمتي لليوناردو دافنشي وبول كلي فقد شعرت بأنها مهمة ويجب إنجازها من باب نقل الخبرات، لأن الفنانين الشباب في مصر يفتقدون إلى مادة نظرية أصلية كتبها مبدعون كبار. كتابة الفنان شديدة الأهمية، لأنها ليست تأملات من الخارج، بل هي نصوص من قلب خبرة الإبداع، خبرة ذاتية ملهمة.أما ترجمة أونغاريتي فهي محيرة بعض الشيء لأن ترجمة الشعر مهمة شبه مستحيلة، ولأن معرفتي بالعربية والإيطالية لم تكن تؤهلني لإنجاز المهمة من دون جهد. ولكن سبب الترجمة الحقيقي محبتي لهذا الشاعر والذي شعرت بقرب شديد إليه ربما بسبب كتابته عن مصر. ترجمت 12 قصيدة قصيرة له وقرأتها لصديقي الأديب والمترجم محمد إبراهيم مبروك، فنالت إعجابه ووجدها مختلفة عن التراجم التي قرأها للآخرين عن أونغاريتي، وطلب مني مواصلة العمل. أكملت الترجمة بمشقة، فهو شاعر بالغ الصعوبة وأعتقد أنه فقد كثيراً عندما تُرجم، لأنه لا يعتمد على الاسترسال أو الموسيقى أو المجاز أو الصور الشعرية، وإنما على قوة المفردة فقط.ما هو جديدك؟أعمل راهناً على إنهاء كتاب {الفن المعاصر}، وهو نص بدأت كتابته مع مطلع الألفية الثالثة، يتألف من مجلدين: يضم الأول التاريخ والخريطة المعاصرة، ويقدم الثاني الأفكار الفنية الحاكمة للظواهر المعاصرة ويحللها. هذا بالنسبة إلى الكتابة، وهو مشروع طالت مدته وأعكف الآن على الانتهاء منه.أما بالنسبة إلى أخباري الفنية، أعد معرضاً يرسم عالماً أكتشفه للمرة الأولى، وكأني قرأت حكاية جديدة. لا أريد الحديث عن تفاصيله الآن. أتمنى تقديمه في خريف هذا العام 2015.