يصعب ألا نتأثر بصور الحشود وهي تتظاهر سلمياً في وسط هونغ كونغ للمناداة بالديمقراطية، لكنها لم تستعمل رمز القبضة المشدودة كما جرت العادة بل استعملت مظلة مفتوحة، لكن يصعب أيضاً ألا نتذكر التظاهرات المماثلة التي ملأت ساحة تيانانمين في بكين منذ 25 سنة وكيف انتهت، إذ يسود إجماع تشاؤمي داخل الصين وخارجها على أن قيادة الحزب الشيوعي برئاسة شي جين بينغ، بعد أن تبنت موقفاً متشدداً ضد المعارضة السياسية، ستسحق بكل قوة هذه الحركة الاحتجاجية إذا استمرت، مثلما سحقت الاحتجاج الأخير.

Ad

لكن لم تتحرك بكين بعد، فانسحبت الشرطة في هونغ كونغ يومي الاثنين والثلاثاء بعد أن أدى استعمالها للغاز المسيل للدموع في نهاية الأسبوع إلى نزول عدد إضافي من الناس إلى الشوارع، وتقوم السلطات الصينية على الأرجح بتقييم مخاطر السماح باستمرار احتلال الشوارع مقارنةً بمخاطر إطلاق حملة قمعية، وهذا ما يجعل هذه اللحظة حاسمة كي توجه الولايات المتحدة رسالة واضحة إلى شي جين بينغ: القمع غير مقبول وهو سيدمر علاقات الصين مع العالم الديمقراطي.

لكن للأسف، بقي رد إدارة أوباما حتى الآن خجولاً على نحو مزعج، وحرص المتحدثون باسم البيت الأبيض ووزارة الخارجية على تجنب تقديم دعم صريح لمطالب المتظاهرين بإجراء انتخابات حرة لحاكم المدينة بدل الاختيار بين المرشحين بموافقة بكين، فحثوا المتظاهرين على التحرك سلمياً مع أن الشرطة كانت الجهة الوحيدة التي لجأت إلى العنف.

بما أن الولايات المتحدة كانت تدعم اتفاق عام 1984 الذي نصّ على انتقال هونغ كونغ من الحكم البريطاني إلى الصيني، فمن واجبها أن ترفع الصوت حين تنتهك الصين جوهر وعدها بالسماح بنشوء حكومة منتخَبة، وهي وعدت بذلك بكل وضوح، لكن ذهبت القنصلية الأميركية في هونغ كونغ إلى حد قول: "نحن لا ننحاز إلى أي طرف في النقاش حول التطور السياسي في هونغ كونغ، ولا ندعم أي أفراد معينين أو جماعات محددة معنية بذلك النقاش".

أكثر ما يثير القلق هو لا مبالاة الولايات المتحدة تجاه حملة القمع المحتملة، وحين سُئل المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية يوم الاثنين عن استغلال تمركز وحدات عسكرية صينية في هونغ كونغ للتحرك ضد المحتجين، أجاب: "لا أرى أنه احتمال وارد حتى اللحظة، ويمكن أن أتحقق من الأمر مع فريقنا لمعرفة ما إذا كان القلق مبرراً".

ستبلي الدولة حسناً إذا تحققت من المعارضين الصينيين مثل يانغ جيانلي وتنغ بياو وهيو جيا الذين يعرفون قدرة النظام على القمع جيداً، وفي افتتاحية نُشرت في صحيفة "وول ستريت جورنال" يوم الثلاثاء، أشار الرجال الثلاثة إلى أن المسؤولين الصينيين "هددوا بشكل متكرر بأن تستعمل الوحدات المتمركزة في هونغ كونغ والتابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني أسلوب القوة لقمع التظاهرات السلمية"، معتبرين أن "هذه النتيجة المأساوية أصبحت أقرب إلى الواقع".

بعد مجزرة تيانانمين في عام 1989، فرض الرئيس جورج بوش الأب والكونغرس عقوبات صارمة على الصين، مع أن بوش عاد وتراجع عن القرار بعد فترة قصيرة، ومنذ ذلك الحين تحولت الصين إلى قوة نافذة وباتت أكثر قدرة على مقاومة الضغط الخارجي، لا تستطيع الولايات المتحدة حماية حركة الديمقراطية في هونغ كونغ إذا قرر شي جين بينغ سحقها، لكنها تستطيع دعم مطالبها بنشوء ديمقراطية حقيقية وإبلاغ الصين بأن استعمال القوة سينعكس سلباً على العلاقات الأميركية الصينية.