صحيح أن إيران اليوم في عهد رئيس «مرن»، لكن مرونة الرئيس روحاني مدروسة ومحكومة، سماها «مرونة الأبطال»، ولن تتجاوز التكتيك والأساليب ولا تمس الثوابت الاستراتيجية، كما أنها لن تقدم تنازلات حقيقية تشل قدرة طهران على التخصيب، وإن ساومت على درجة التخصيب، ولن تفتح منشآتها كافة للتفتيش وإن سمحت بفتح بعضها في مقابل رفع العقوبات ولو تدريجياً، ومن هنا نفهم تصريح الرئيس روحاني أمام ملتقى شبابي: «يسألونني هل نحن منتصرون في المفاوضات النووية؟ وجوابي، نعم نحن منتصرون!».

Ad

كل الدلائل تؤكد نجاح إيران في المضي قدماً في برنامجها النووي الذي يمثل حلمها "القومي" عبر اكتساب المعرفة (التقنية النووية) التي تمكنها من الحصول على السلاح النووي الذي أصبح "عقيدة" دينية وقومية لدى كل الشعب الإيراني وقيادته، والذي يعد التنازل عنه، تفريطاً يصل إلى الخيانة الوطنية.

 لا يمكن لإيران، التي تحملت كل العقوبات وقدمت جميع التضحيات وأنفقت المليارات ورفضت سلة الحوافز الأوروبية، أن تتنازل اليوم عن برنامجها النووي، فالنظام الإيراني أيديولوجي، ومن طبيعة النظم الأيديولوجية التحمل والصبر، وكما يقول فريدمان: "إذا كانت كوريا الشمالية، وهي لا تملك عشر موارد إيران، ضحت وتحملت واعتمدت على نظام عذائي منخفض السعرات، حتى حققت حلمها النووي، فكيف بإيران الغنية والشعب الصبور؟!"، ولذا فإن إيران لن تتراجع أو تتنازل عما تراه حقاً مشروعاً لها، وهو اكتساب التقنية النووية.

وإذا كانت أمم أقل عراقة استطاعت حيازة السلاح النووي مثل إسرائيل وباكستان والهند وكوريا الشمالية، فكيف يمنع المجتمع الدولي إيران ذات الحضارة العريقة، وقد صرفت المليارات وتحملت ما لم تتحمله أمة، وبخاصة أنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الحلم القومي؟ ثم إن إيران تعتقد أن هذه فرصتها، في عهد ساكنٍ للبيت الأبيض، متلهف لإتمام صفقة تاريخية، يحقق بها إنجازاً تاريخياً عجز عنه الرؤساء قبله!

صحيح أن إيران اليوم في عهد رئيس "مرن"، لكن مرونة الرئيس روحاني مدروسة ومحكومة، سماها "مرونة الأبطال"، ولن تتجاوز التكتيك والأساليب ولا تمس الثوابت الاستراتيجية، كما أنها لن تقدم تنازلات حقيقية تشل قدرتها على التخصيب، وإن ساومت على درجة التخصيب، ولن تفتح منشآتها كافة للتفتيش وإن سمحت بفتح بعضها في مقابل رفع العقوبات ولو تدريجياً، ومن هنا نفهم تصريح الرئيس روحاني أمام ملتقى شبابي: "يسألونني هل نحن منتصرون في المفاوضات النووية؟ وجوابي، نعم نحن منتصرون!".

 من يصدق أن إيران أهدرت هذه المليارات الفلكية من أجل الطاقة الكهربائية فحسب ساذج أو مغفل، عليك أن تلغي عقلك لتصدق أن البرنامج النووي الإيراني من أجل الكهرباء فقط! فما حاجة إيران إلى إنتاج الكهرباء من مصادر خطيرة (التسرب النووي الكارثي لمياه الخليج) وباهظة التكاليف، وعندها العشرات من مصادر الطاقة الرخيصة الآمنة: البترول والغاز والسدود والشمس والرياح؟! وما حاجتها إلى تحدي المجتمع الدولي والعقوبات الدولية من أجل الكهرباء؟!

ومع كل ذلك، استطاعت إيران الترويج لسلمية برنامجها ونجحت في استمالة حليفتنا الكبرى والمجموعة الدولية التي تريد تصديقها، وذلك لأهدافها ومصالحها الاقتصادية! كيف نجحت إيران في ترويج دعايتها، اعتمدت إيران 4 أساليب، أولها الأسلوب الإعلامي عبر إنفاق مليارات هائلة في تمويل ودعم شبكة إعلامية ضخمة تروج لسلمية البرنامج، وتتكون من كتاب ومفكرين وقنوات فضائية وصحف ومجلات سواء في الدول العربية أو في الغرب وأميركا، أصبحنا نجد كتاباً خليجيين يقولون إن القول بخطورة إيران على الخليج أو المنطقة مجرد "دعاية أميركية" هدفها تخويف دول الخليج لاستنزافها مادياً عبر شراء السلاح، هؤلاء "المفتونون" بإيران أصبحوا يدافعون عنها وعن حقها في السلاح النووي بحجة "التوازن" مع إسرائيل!

ومن اطلع على المقالة المهمة للكاتبة سوسن الشاعر بعنوان "الأبواب الخلفية للولوج في غرفة الدبلوماسية الأميركية" يدرك كيف استطاعت إيران التغلغل الإعلامي في العمق الأميركي عبر تأسيس شبكة علاقات غير رسمية، من خلال مراكز ومعاهد إيرانية داخل عقر الولايات المتحدة، تقدم الدعم لكثير من البرامج الحوارية والأبحاث التي تعنى بالشأن الإيراني، كما تلمس حجم الدعم الذي يقدمه اللوبي الإيراني- الأميركي لمراكز الأبحاث والدراسات، ما كان من نتائجه ظهور تيار من الكتاب الأميركيين يدافعون عن تملك إيران للنووي ويحاولون إقناع حكوماتهم بحسنات ذلك للمصالح الأميركية والغربية!

ثانياً: الأسلوب السياسي، عبر نفوذها في المنطقة وتأثيرها على المصالح الغربية والأميركية واتخاذه ورقة مساومة ضاغطة في المفاوضات، ثالثاً: الأسلوب الدبلوماسي، إذ إن إيران أستاذة تجيد فن "الدبلوماسية المراوغة"، وتطالب بالمفاوضات وتقدم بعض التنازلات ثم تتراجع كسباً للوقت ومحاولة لإقناع الأطراف الأخرى بسلمية برنامجها، وهكذا على مدى 6 سنوات. رابعاً: الأسلوب الديني، عبر ترويج فتوى منسوبة إلى الإمام الخميني أو خامئني بتحريم حيازة واستخدام السلاح النووي، وقد نجحت إيران في إقناع الرئيس الأميركي بها، فصار يرددها ويحاول إقناع الشعب الأميركي بها! علماً بأن هذه الفتوى لا وجود لها كما ذكر الدكتور محمد السلمي في مقالته المتميزة "الحقيقة والوهم في فتوى خامئني بتحريم إنتاج الأسلحة النووية"، إضافة إلى أن أي مسلم يعلم أن هذه الفتوى مخالفة للنص القرآني "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"، والذي يوجب على المسلمين التسلح بجميع وسائل القوة بما فيها "النووي"، ولكن بهدف ردع الأعداء لا الاعتداء، ثم إن الفتوى يمكن تغييرها بفتوى مضادة بحسب الظروف والأحوال والمصالح، فضلاً عن أن "التقية" الدينية في المذهب الشيعي، في مواجهة الأعداء ركن من أركان العقيدة.

كاتب قطري