"المسافة بين الكذب والصدق أربعة أصابع، ووضع يده بين أذنه وعينه الصدق أن تقول رأيت، والكذب أن تقول سمعت"، هكذا قال الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وهكذا آثر الشيخ حسن خلف، أحد مجاهدي سيناء، أن يستعيد مقولة عليّ وهو يتحدث عما رآه من بطولات في حرب أكتوبر وبعد نكسة 1967، حكى لي عن جندي كان يعمل على مدفع هاون، ولما انسحب الجنود كان ينزل إلى الملاجئ ويحمل الدانات على كتفه حتى استشهد فوق كرسي المدفع، ودفن بعد 15 يوماً.
بعد حرب أكتوبر هرع أبناء سيناء إلى مكاتب المخابرات الحربية من بورسعيد مروراً بالإسماعيلية وليس انتهاءً بالسويس، حيث شكلوا مجموعات عمل تحفظ ذكراها ملفات المخابرات، فمنهم من تدرب على أجهزة اللاسلكي وذهب خلف خطوط العدو، ومنهم من عمل "بوسطجياً" يحمل المعلومات إلى الغرب، ومنهم من تدرب على الصواريخ، وتم التدريب في فترة قياسية جداً، وقام بعمليات اعتراضية خلف خطوط العدو بدون أي مقابل.سقط منهم الشهداء وسقط منهم الأسرى، واستدل الشيخ حسن خلف بجملة أحد القيادات السياسية "لم تكن لدينا أقمار اصطناعية، ولكن كانت لدينا هذه العيون الصادقة"، وأشار إلى أبناء سيناء، وقال آخر "إن أبناء سيناء جعلوا مواقع العدو كتاباً مفتوحاً أمام القوات المسلحة، ولولا صدق المعلومة ما نجحت المعركة".الشيخ سليمان المغنم، شيخ المجاهدين في سيناء، حكى لي عن إحدى سيدات البدو التي خبأت أحد الجنود من طائرات العدو، وعن نفسه عندما كان يرصد تحركات العدو، وتحركات معداته، والدبابات العائدة، والحافلات التي تحمل الجنود بأن يجمع أنواع الحطب، ورمز لكل مُعدة بنوع من الحطب.من ضمن الحكايات التي حكاها لي الشيخ المغنم حكاية لواء مدرع عساف ياجوري، فبعد أن بدأت الحرب، كان دور الشيخ سليمان هو رصد المدرعات والآلات العسكرية الإسرائيلية التي تمر وإحصاؤها وإرسالها إلى المخابرات الحربية، وفي يوم 7 أكتوبر تحرك لواء مدرع من معسكر الأمن المركزي في رفح، والذي كان يعمل فيه أحد البدو الوطنيين.أخبر الشيخ سليمان بتحرك المدرع بنوع الآلات العسكرية وعددها واتجاهها، وتوقيت التحرك، الذي أرسل برقية إلى القيادة بأن اللواء المدرع في المنطقة الفلانية على الطريق الشمالي بعدده ونوعه وتوقيته، وأخذ يتابعها من مكان إلى آخر، ولما وصلت العريش ومرت على قرية الميدان أرسل برقية أخرى بالتفاصيل، ولما مرت على قرية الروضة أرسل برقية أخرى، ولما مرت على قرية الخربة، وهي منطقة ممنوعة للمدنيين أرسل برقية أخرى، ولم يعرف الشيخ سليمان أن هذا هو اللواء مدرع عساف ياجوري الذي ألقي القبض عليه إلا عند تكريمه سنة 1979.هذه الحكايات التي سمعتها من مجاهدي سيناء، وحكايات أخرى كثيرة من دفتر بطولات أبناء سيناء، هي دافع لنا للتوقف، ليس لاستعادة ذكرى انتصارات، بل للاستبصار بها في ظل الوضع القائم في سيناء، فقد قدموا الكثير لوطنهم، ومستعدون أن يقدموا أكثر من أجل رفعته وعلو شأنه، واليوم عندما يقف أهل سيناء مرة أخرى بجانب جيشهم في الحرب على الإرهاب الجاثم هناك فهو موقف بطولي جديد ينبغي أن نضيفه إلى حكايات بطولاتهم التي لا تنتهي.
أخر كلام
حكايات من سيناء
22-11-2014