الصديق ورفيق المدينة محمد حسن علوان روائي شاب طموح صاحب روايات "سقف الكفاية" و"صوفيا" و"القندس" وهي آخر إصدراته الروائية، ولكنها ليست آخر إصدراته البحثية.

Ad

محمد علوان كمعظم الروائيين العرب ليس خريج مدارس أدبية أو كلية متخصصة في الأدب والبلاغة، بل هو طالب علم في مجال الاقتصاد ويعمل حالياً للانتهاء من رسالة الدكتوراه في الاقتصاد.

وبين هذا الهمّ الشائك في البحث عن أبطال روايات يستحقون عناء البحث وهمّ التخصص المطلوب الانتهاء منه كوسيلة جميع روائيينا العرب في البحث عن خبز يومهم، ووظيفة تقيهم شر الإبداع الأدبي، أقول بين هذين الهمّين يشرع محمد علوان في البحث عن فلسفة مفهوم "الرحيل ونظرياته والعوامل المؤثرة فيه"، وهو بحث شائك، وذو شجون، خصوصاً في عالمنا العربي، وربما مستقبله القادم، كوسيلة لإنقاذ النفس البشرية من ويلات الصراعات الدموية، سيغدو مزدهراً أكثر مما سبق.

الجهد الذي بذله علوان في البحث يستحق الثناء والتقدير، فهو يؤسس لبحث أرى أن المكتبة العربية تعاني ندرةَ البحث فيه، وربما ذلك سبب اعتماده على أكثر من 360 مرجعاً ودراسة غربية بدءاً من الهجرة الأولى للإنسان حتى عصرنا الحالي.

ورغم اختلاف علماء الاجتماع في تحديد مفهوم شامل للرحيل وتعريفه فإنهم واجهوا في ذلك صعوبة الفصل بين الانتقال "Mobility" والهجرة "Migration". في المصطلح الأول هناك الانتقال المؤقت من مكان إلى آخر تحت وطأة ظروف معينة، منها الحاجة إلى تحسين الدخل أو البحث عن حياة أفضل مدة محددة من الزمن، يعود بعدها المنتقل إلى موطنه الأصلي دون أن يتشكل في داخله مفهوم كامل للهجرة.

وربما، كما ذكر علوان في بحثه، لا ينطبق هذا المفهوم وتعريفه في الثقافة العربية، بالضرورة، على ذات المفهوم في الثقافة الأجنبية، التي تطلق مصطلح الهجرة للسياحة والدراسة خارج الوطن الأم. وهي تنظر في ذلك إلى الهجرة داخل حدود البلد السياسية، ومن مدينة إلى أخرى أو من قرية إلى أخرى.

وربما يتشابك هذان التعريفان في عالمنا العربي بين الانتقال قسراً أو تهجيراً من مكان إلى آخر أو عدم انتماء الشخص إلى مكان ما بالأساس، وبالتالي لا تعتبر إقامته الأخيرة في مكان أخير هي هجرة من مكان لا يمتلكه بالأساس. ولفك هذا التشابك بين المصطلحين اعتمد علوان مفهوم الرحيل ليكون بديلاً توافقياً. وهو بذلك يقسم هذا الرحيل إلى مصطلحات أخرى موازية له كالسفر والغربة والهجرة والعودة والتردد والاستطباب والدراسة وغيرها من أنماط الرحيل محاولاً دراسة جميع العوامل المؤدية إليها.

حاول علوان الاستفادة من جميع الدراسات الحديثة التي تناولت أصناف هذا الرحيل، ملقياً الضوء على غريزة الإنسان في البحث عن الحياة الممكنة في أماكن أخرى تحت ظروف شتى ليس بالضرورة الفقر والحاجة أهمها. وربما أدت رغبات الإنسان المختلفة لتأطير أسباب هذا الرحيل بما في ذلك الأسباب الدينية والطبية وحتى الجنسية.

دراسة محمد حسن علوان اعتمدت على أصول البحث العلمي، وعناء هذا البحث وتركيز جهد كبير منه على قراءة نظريات الرحيل في العالم. وربما سيكون منطلقاً لأبحاث عربية أخرى توليه مزيداً من الاهتمام والدراسة في الجانب السيوسولوجي والاقتصادي.