يوسف بصبوص في معرض استعادي...منحوتات ثمرة حوار بين النحات والخشب
بعد احتفاله بالعصر البرونزي في 2013 من خلال عرض أعمال النحات زافين هاديشيان، ومنح جائزة لأفضل ثلاثة أعمال برونزية، يحتفل متحف مقام هذا العام بالعصر الخشبي، من خلال تنظيم معرض استعادي للنحات يوسف بصبوص (15 نوفمبر- أبريل 2015) ثالث الأشقاء بصبوص، أبرز رواد النحت في لبنان بعد النحات يوسف الحويك. يرافق المعرض مسابقة لأفضل أعمال نحتية على الخشب، تشرف عليها لجنة تختار ثلاثة فائزين وتقدم لهم جوائز.
ولد يوسف بصبوص في راشانا عام 1929، تنفس الفن منذ نعومة أظفاره فلفت نطر شقيقه الأكبر ميشال، الذي قاد محاولاته الأولى في النحت، بدأ العمل في تقصيب الأحجار ويساعد شقيقيه ميشال وألفرد في أعمالهما، ولم يطل به الأمر حتى لمع نجمه في النحت على الخشب، وانتشرت أعماله في لبنان وخارجه.منحوتاته التجريدية شكلت حواراً مستمراً بين النحات والمادة أمامه سواء كانت حجراً أو خشباً أو معدناً... تعامل، غالباً، مع قطع خشبية قديمة، ومجففة، جذوع اشجار، فحاورها وغاص في أعماقها وأخرج مكنوناتها وكشف أسرارها وأعاد الحياة إلى أوردتها وعروقها... تقوده غريزته وحدها في تطويع المادة وتشكيلها... أبدع منحوتة رمزية واحدة في مسيرته هي بورتريه له.
كان ليوسف بصبوص وشقيقيه ميشال وألفرد تأثير واضح في فن النحت في لبنان، فتحولت بلدتهم راشانا إلى مركز لفن النحت الحديث في تسعينيات القرن الماضي، بعدما نظم ألفرد سمبز يومات عدة استضاف فيها نحاتين من أنحاء العالم.عام 1966، نفذ أول منحوتة له من الحجر، ونال جائزة صالون الخريف في متحف سرسق مرتين. شاركت أعماله في معارض مع شقيقيه في لبنان وباريس ولندن والسعودية والمغرب. وشارك في سمبوزيومات عالمية في كوريا الجنوبية، بينال الإسكندرية، وسويسرا. توفي يوسف بصبوص في 10 سبتمبر 2001، بعدما عاش عمره كله برفقة الخشب والحجر، إزميله وسيلة تعبيره الوحيدة عما يعتمل في نفسه من حب وذكريات، ووفاء لشقيقيه اللذين جعلا المادة تنطق بجماليات الروح وتعكس نبضات قلب تارة بفرح وتارة أخرى بحزن ووجع.اختار يوسف بصبوص الخشب ليكتب عليه قصيدته الطويلة في الحياة، فهو، على غراره، حنون وطيّع ويعكس بعروقه لا سيما خشب الزيتون عروق قلبه المتعلق بالأرض والتاريخ والأصالة والفن...شارك شقيقيه المبدعين ميشال والفرد تجربتهما النحتية، وتميز عنهما برقة تعامله مع الخشب، فتآلف مع المكان وتلاعب بالزمان وفق أهوائه، فتارة يبدع منحوتات طالعة من ذكريات الطفولة وتارة أخرى ينحت للمستقبل، فهو لم يحد موهبته في فترة معينة بل حلق بها في فضاء مترامٍ من التجارب النحتية، بصدق وعفوية، من دون تصنع أو ادعاء معرفة ما، هكذا ترك موهبته تقوده في عالم النحت وترسم له طريقاً توصله في النهاية إلى عالم الخلود، خلود الإبداع والفكر، عالم يتلاشى فيه الجسد وتبقى الروح وحدها ساكنة المنحوتات، تمنحها حياة ونبضاً تزداد تألقاً مع الزمن وتوهجاً. صحيح أن تاثير ميشال وألفرد بصبوص كان قوياً على يوسف، إلا ان الأخير استلهم من أجواء راشانا التي حولها ميشال بصبوص في ستينيات القرن الماضي إلى قرية للفنون، استقطبت كبار المسرحيين والفنانين من لبنان وانحاء العالم، وطوّر تجربته في النحت، لذا استطاع أن يخط لنفسه خطاً مميزاً، ولم يتورع في كثير من الأحيان، إذا لم تعجبه المنحوتة أن يطعمها النار، لذا لم يترك سوى ما رضي عنه وما ينبئ عن شخصيته وما يعرّف الأجيال المتعاقبة على عمق فنه، هذا الفن الذي تآلف مع راشانا ومع كل ذرة تراب منها وعانق السماء وبقي بعد رحيل أربابه حارساً لهيكل الفن والإبداع لراشانا المزروعة بالمنحوتات في كل زاوية منها.