فجر يوم جديد: السيرة {الزكية}!

نشر في 03-04-2015
آخر تحديث 03-04-2015 | 00:01
 مجدي الطيب في الذكرى العاشرة لرحيل «العبقري» أحمد زكي (18 نوفمبر 1949 – 27 مارس 2005) عمَّم المنتج د. محمد العدل رسالة مصورة، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، تضمّ ستة عشر ملصقاً دعائياً «أفيشات» لأفلام تصدى لبطولتها «النمر الأسود»، وسبق «الأفيشات» نداء لا يخلو من تحد يقول: «شاوروا لي على فيلم نقول كان في الفيلم ده مش قد كده»!

اللافت أن «الأفيشات» كانت مقصورة على الأفلام الأفضل، فعلاً، في مسيرة النجم الأسمر مثل: «البريء»، «ضد الحكومة»، «الهروب»، «زوجة رجل مهم»، «البيه البواب»، «شفيقة ومتولي»، «الراعي والنساء»، «أرض الخوف»، «كابوريا»، «الإمبراطور»، «اضحك الصورة تطلع حلوة»، «البيضة والحجر»، «معالي الوزير»، «النمر الأسود» و{أيام السادات»، لكنها تضمنت بعض الأفلام التي لا يمكن وضعها في مصاف واحد مع هذه العناوين السابقة، مثلما حدث مع فيلم «سواق الهانم»، كما تعمَّد صاحب فكرة الرسالة المصورة تجاهل بعض الأفلام، وإسقاطها من القائمة، ليضمن أن تأتي الإجابة: «ليس هناك فيلم واحد أقل من المستوى» بينما كان يستطيع أن يضمن هذه الإجابة لو أنه ضم إلى القائمة أفلاماً مثل: «موعد على العشاء»، «طائر على الطريق»، «الحب فوق هضبة الهرم»، «العوامة 70»، «ناصر 56»، «عيون لا تنام» و{أحلام هند وكاميليا»!

هنا لب القضية التي أود تناولها في هذه السطور، ففي الذكرى السنوية لرحيل أحمد زكي تتبارى الأقلام في الحديث عن الأفلام العظيمة، والتجارب المجيدة، التي قدمها طوال مسيرته الفنية، ومع ذكرى ميلاده (18 نوفمبر من كل عام) وموعد رحيله (27 مارس)، يستعيد الجميع سيرته العطرة، وحكاياته الشيقة، وربما تصبح المناسبتان فرصة لاختلاق مواقف وروايات لم تحدث إلا في خيال أصحابها. لكن أحداً لا يقترب من «حقل الألغام» المتمثل في الأفلام «الرديئة» التي قام ببطولتها خشية أن يُتهم بأنه تجاوز «الخطوط الحمراء» أو أساء إلى السيرة «الزكية»، نسبة إلى أحمد زكي، حبيب القلوب!

يمكن إفراد مساحات كبيرة للإشادة بموهبة وعبقرية ونضال الشاب العصامي أحمد زكي متولي عبد الرحمن بدوي، الذي ولد في قسم كفر النحال بمدينة الزقازيق التابعة لمحافظة الشرقية (شمال العاصمة المصرية)، وحصل على دبلوم المدارس الصناعية قبل أن يلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية ليتخرج فيه في العام 1973، ويحفر لنفسه اسماً، ومكاناً، في الصخر. وربما نستطيع أن نلتمس له العذر في موافقته على المشاركة، في مطلع السبعينيات والثمانينيات، بأفلام ضعيفة، مثل: «بدور»، «الاحتياط واجب» و»المدمن»، سعياً وراء الانتشار. لكن ما الدافع وراء قيامه، نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، أي بعد أن توج «الإمبراطور» مرهوب الجانب في مملكة التمثيل، ببطولة أفلام على شاكلة: «المخطوفة»، «ولاد الأيه»، «الرجل الثالث»، «استاكوزا»، «أبو الدهب» و{حسن اللول»؟

 حذر أساتذة علم النفس والاجتماع من «الإنسان الذي تعرض للحرمان في طفولته»، وقالوا «إن بخله يتجاوز الأمور المادية إلى العواطف والمشاعر الإنسانية أيضاً». لكن أحمد زكي، الذي تُوفي والده عقب ولادته، وأصيب بإحباط لازمه طوال حياته، بعد زواج أمه، التي قاطعها، ولم يُقربها إليه سوى في فترة مرضه بسرطان الرئة الذي أودى بحياته، نسف نظرية أساتذة علم النفس والاجتماع، وقلبها رأساً على عقب، إذ استشعر كل من عرفه أو اقترب من محيطه أنه كان عطوفاً للغاية وسخياً إلى درجة الجنون، كما كان يرفع شعار «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب». غير أن ثمة من فسر «الكرم الطائي» لأحمد زكي بأنه «نوع من أنواع افتقاد الإحساس بالأمن والأمان»، ورجح هذا التفسير ميله الدائم إلى الإقامة في الفنادق، رغم امتلاكه شقة فاخرة في حي المهندسين الراقي، هي نفسها الشقة التي اضطر إلى مغادرتها حافي القدمين، عندما استشعر الزلزال الذي ضرب مصر في العام 1992، ورهنها مع سيارته، ليتمكَّن من إنتاج فيلم «أيام السادات» حسب تأكيد ابنه «هيثم»!

جنون أحمد زكي الفني كان يُقابله تفكير واقعي لا يعرف الطريق إلى الخيال، فعلى الرغم من درايته الواسعة، وتفكيره الدائم، في المصير المفجع الذي انتهت إليه حيوات فنانين كبار تسولوا نفقات العلاج في أواخر أيامهم، فإن هذا الهاجس لم يدفعه إلى اكتناز الأموال أو امتلاك «شاليه» في الساحل الشمالي أو «فيللا» على الطريق الصحراوي. وعلى عكس أبناء جيله، والسابقين عليه واللاحقين له، لم يدخر المال الذي يعينه على مواجهة المرض والظروف الصعبة، وكان على استعداد لأن يعود إلى الإقامة في لوكاندة «سويس كوتاج»، التي استقبلته، لأول مرة، لحظة أن وطأت فيها قدماه أرض القاهرة، قادماً من الزقازيق. لكن القدر كان أسرع، وانتهت به الحال صريع المرض... وشهيد الموهبة!

back to top