المبخوت مبخوت فعلا
الذي يستطيع أن يكمل رواية شكري المبخوت الفائزة هذه السنة بمأساة البوكر وملهاتها يستحق جائزة الصبر القرائي. أكملت الرواية لأنها فازت بالبوكر، لا لأي سبب آخر. وهي الرواية الأولى للكاتب رغم أن الرجل ليس شابا نشجعه ونقف خلفه ونقنع أنفسنا أن القادم سيكون أفضل، فالكاتب تقدم به العمر وكان ذلك سببا بأن يقدم عملا يبهرنا بحكم الخبرة الأدبية والحياتية التي عاشها اجتماعيا وسياسيا وأكاديميا. وتوقعت أن روايته اليتيمة لا تقل بناء عن قصائدنا العربية الشهيرة باليتم. كل ذلك لم يحدث، ما حدث هو كتابة رواية بقلم روائي مبتدئ أغرقها بالجمل المكررة والسرد السطحي وهلهل بناءها التقني، فجاءت ثقيلة مربكة ومرتبكة.لا أحد يلوم السيد شكري المبخوت أو يحجر عليه في كتابة رواية أولى أو أخيرة، ولا أحد له الحق في إسداء النصح لرجل في مكانته وعمره، ولكن أيضا لنا الحق في فهم أسباب منح الرواية جائزة الرواية العربية، كما يسمونها، من منطلق نقدي بحت. موضوعنا إذن هو الجائزة لا الرواية. كنا لسنوات مضت ونحن نرى الإحباط الذي يصيب النقاد والروائيين من تصرفات القائمين على الجائزة وسلوكهم الغريب في تعاملهم مع الرواية كفن أدبي يكاد يكتسح الساحة العربية، ويزيح أجناس الكتابة الإبداعية الأخرى بجدارة. وكنا نمني أنفسنا بأن الجائزة، كأي جائزة، تواجه في بداياتها مصاعب التأسيس، وتقابل بوجهات نظر متباينة، ولن يتفق عليها الجميع. ومع مرور السنوات تبدأ بتقييم نفسها وإعادة حساباتها والإفادة من الآراء التي توجه لها. ونحن نؤمن بالتأكيد أن كل عمل يطمح إلى أن يصل الى ذروته مستفيداً من خبرة القائمين عليه.
لا أعرف، ولا أظن أن أحداً غيري يعرف، لماذا تصر مؤسسة الجائزة على الانحدار بها وتوسيع هذه الفجوة بين القارئ ومخرجات الجائزة؟ لا أحد يعرف سبب اختيار لجان التحكيم التي لا يربطها بالفن الروائي الذي تحكمه علاقة مباشرة أو أية علاقة. وأيضا مرة أخرى نكرر احترامنا للأساتذة في لجان التحكيم في مجالاتهم التي يعملون بها، و"لكننا نؤكد لهم أن تحكيم عمل روائي يتطلب مجهوداً أكبر من قدراتكم". صرح بعض أعضاء اللجنة بأن المسألة تحتكم للذائقة القرائية، وتلك محاولة ابتعاد عن الذائقة النقدية التي يفتقدونها، ولكن هل هذا العمل يحقق المتعة القرائية؟ أغلب آراء القراء، وليس النخبة، التي تابعتها لم تخدعهم هذه المتعة القرائية، وكان هجومهم على لجنة الجائزة أكبر من هجومهم على الرواية الفائزة. ببساطة يشعر القارئ بأنه يخدع حين تقدمون له عملا لا يستحق.السؤال الذي لن تجيبوا عنه هو لماذا تتعمدون إقصاء نقاد الرواية في العالم العربي؟ وبما أنكم لن تجيبوا عنه فأنتم تمنحوننا الفرصة بأن نجيب نيابة عنكم. أنتم تبحثون عن لجنة تتحكمون فيها وتختارون لها ما يجب عليها أن تختاره.حاولتم هذه المرة أيضا استغباء القارئ كما فعلتم من قبل، ولكنكم للأسف فشلتم، وتجاهلتم أصواتاً كثيرة كانت تؤمن فعلا بأن ما تفعلونه هو خدمة الفن الروائي، وأجزم أنكم خسرتم ثقة هذه الأصوات وثقة قرائكم. إذا كان هناك من أمل في إحياء هذه الجائزة فهو بنسف إدارتها بالكامل والتخلص من طريقة تفكيرها في قراءة الأعمال الابداعية، ويبدو أن ذلك صعب المنال.