الآن وقد أصبح "داعش" عقدة من غير الممكن حلها بسهولة، فإن التأخير في التصدي لهذا التنظيم إمَّا أن يكون خطأً فادحاً، وإمَّا مؤامرة، والأرجح أنه كان مؤامرة، وإلاَّ فما معنى أن تُسلَّّم مدينة "الرقة" السورية له تسليماً لتصبح "عاصمة" له وقاعدة انطلاق نحو حلب وإدلب والعراق، وقبل يومين نحو "عين العرب" والمناطق المحيطة بها، حيث تم تهجير عشرات الألوف من الأكراد نحو الأراضي التركية المحاذية والمحاددة؟
إن هناك ألغازاً كثيرة بالنسبة لهذا التنظيم، بعضها ستكشفه الأيام القريبة والبعيدة، وبعضها سيبقى سراً من أسرار هذا الكون إلى أبد الآبدين، ولعل أكبر دليل على وجود مثل هذه الأسرار هو إطلاق الرهائن الأتراك الذين احتجزهم "داعش" في الموصل، عندما احتُلت هذه المدينة العراقية. وأيضاً اتخاذ إيران وروسيا ومعهما معظم الجماعات الإسلامية، وفي مقدمتها "الإخوان المسلمون"، موقفاً ليس سلبياً فقط وإنما رافض للقرارات التي اتخذتها قمة ويلز الأخيرة واجتماعا جدة وباريس لمواجهة هذا التنظيم الإرهابي والقضاء عليه.أليس سراً من الأسرار أن تضم القيادة العسكرية العليا لهذا التنظيم 20 ضابطاً، بينهم ضابط واحد من سورية، والبقية من كبار ضباط الجيش العراقي السابق؟!ثم أليس سراً من الأسرار أن تنهار 4 فرق عسكرية من الجيش العراقي (جيش المالكي) أمام بضعة آلاف من "داعش"، وتسلّم أسلحتها ومعداتها الثقيلة والخفيفة، ومدينة "الموصل" ببنوكها وإمكاناتها لهذا التنظيم الذي ما لبث أن تمكّن من ملء الفراغ الذي تسبب فيه انهيار هذا الجيش، وتمكّن من الوصول إلى مشارف العاصمة بغداد خلال ساعات قليلة؟!إنه لم يعد سراً أن لـ"داعش"، الذي ورث الدولة الإسلامية في العراق، وأصبح "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، علاقة مبكرة بالنظام السوري والمخابرات السورية، وأن نظام بشار الأسد هو الذي سلّمه مدينة الرقة تسليماً لتكون قاعدة انطلاق له في اتجاه بقية الأراضي السورية، وفي اتجاه العراق لاحقاً.. وإلاَّ فما معنى أن تصبح دمشق هي المستورد الرئيسي للنفط "الداعشي" الذي سيطر هذا التنظيم على آباره في مناطق دير الزور؟!لماذا يا ترى بادر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى رفض قرارات قمة "ويلز" وقرارات اجتماعي جدة وباريس الأخيرين، والتي وضعت خططاً لضرب "داعش" في العراق وسورية؟ ولماذا اتخذت إيران الموقف نفسه، ولماذا أعلن الإخوان المسلمون أن الحرب على هذا التنظيم ليست حربهم، ولماذا صمتت "حماس" إزاء هذه المسألة صمت أهل القبور؟ وأيضاً لماذا بقي موقف تركيا الأردوغانية حائراً وملتبساً و"مغمغماً" حتى بعد إطلاق رهائن الموصل الأتراك الذين تم الإفراج عنهم بسهولة وسلاسة، ووفقاً لصفقة تم تمويلها من دولة عربية مقتدرة؟!ستكشف الأيام القريبة والبعيدة كل هذه الأسرار، وسيتضح لماذا لايزال الرئيس الأميركي باراك أوباما متردداً وغير حاسم تجاه هذه المسألة، وستكشف الأيام - ربما القريبة قبل البعيدة - عما إذا كانت هناك "سايكس-بيكو" أو "سايكس" فقط جديدة، وعما إذا كانت "بلادنا" العربية ستشهد شرذمة أخرى، وستشهد قيام دويلات مذهبية وطائفية وعرقية، ليدخل وطننا العربي كله، في المشرق والمغرب، مرحلة سقيمة ومريضة لا يعلم إلاَّ الله، جلّ شأنه، كم من السنوات الطويلة ستستمر!
أخر كلام
«داعش»... أسرار وألغاز!
22-09-2014