قوى الدولة «السينمائية» تواجه أفلام «داعش»

نشر في 20-03-2015 | 00:01
آخر تحديث 20-03-2015 | 00:01
الصورة بالصورة والفكر بالفكر

أظهرت فيديوهات بثتها تنظيمات إرهابية أخيراً إمكانات سينمائية عالية المستوى، ما يدفعنا إلى الحديث عن «دور موازٍ» للدولة تستخدم فيه إمكاناتها الفنية لمجابهة «التكفير بالتفكير»، ومقابلة «الصورة بالصورة». بتعبير أدق، هل تسهم السينما تحديداً في محاربة هذه التنظيمات؟
اعترف الناقد السينمائي كمال رمزي بأن مستوى مواد التنظيمات الإرهابية الفيلمية متفوقة، وقد حققت انتشاراً واسعاً لحرفيتها العالية، رغم أن محتواها {منحط وبالغ الخسة}.

وشكَّك رمزي في أن تكون عناصر التنظيم هي الجهة المنفذة للأفلام القصيرة، موضحاً أن شركات تتبع دولاً منتفعة أو مخابرات أجنبية تشرف على هذه النوعية من الأفلام عالية التجهيز وغير العفوية، موضحاً أن طريقة سرد شخصيات تظهر في المشاهد الافتتاحية، وتُضاف إليها عادة مؤثرات، تبيِّن تأخرنا في مجاراة هذا الدور الدعائي والترويجي لكيانات إرهابية، قائلا لـ{الجريدة»: «علينا أولاً الاعتراف بدور السينما في حلّ المشكلات والعبور بأزمات تمرّ بها البلاد».

واستطرد أن الفنون تعد ضمن «القوة الناعمة» للدولة، ولا يجب تركيز الجهود على الضربات العسكرية فحسب، وإنما الاستفادة من خبراتنا في تقديم «أعمال وطنية» تمارس دوراً تنويرياً وترفع مستوى الوعي عبر مختصين يستطيعون الفصل بين ولائهم للدولة وبين ولائهم للحاكم.

المخرج مجدي أحمد علي رأى أن ثمة «قصوراً واضحاً» في توظيف الدولة جهودها الفنية لمحاربة الأعداء، مشيراً إلى أننا نملك رصيداً كبيراً من أعمال استخدمت للتصدي لظواهر التشدد والعنف، ولكن يعاني الفن راهناً تدهوراً، إضافة إلى تراجع الدولة كبقية القطاعات.

وأوضح أن إزاء الحال التي وصل إليها الفن في مجتمعاتنا، نرى أن تنظيم «داعش» يميز جيداً بين التوثيق وبين المادة الفيلمية، ففي الحالة الأولى تُنقل الصورة من دون مؤثرات كافية لتبيان المعنى بشكل مباشر ومجرد، وفي الحالة الثانية يتم إخراج الفيديو عبر الدراما بمؤثرات واضحة واختيارات محددة  للأجسام والزوايا والأطر.

وختم: «إننا في عصر الصورة ونتعامل مع شرائح عمرية شابة لا تقبل بمشاهد مفبركة ومعان سطحية تُقدم عبر الشاشة مع صيحات الانتصار على الأعداء، لأن ذلك لن يجابه ما تعتمد عليه الآن تنظيمات إرهابية مختلفة تماماً عن سابقتها في التسعينيات».

مؤلف فيلم الإرهابي «لينين الرملي» عبَّر

 لـ «الجريدة» عن استيائه من تحميل السينما «فوق طاقتها»، قائلاً: «أدرك أننا كسينمائيين دورنا كبير في محاربة الإرهاب الذي تطور لينتج أفلاماً قصيرة وتسجيلية، ولكن الفن لن يتمكَّن من ذلك وحده، بل تشارك معه جهات عدة كالتعليم الذي يحث الناس على عدم الالتفات إلى هذه النوعية من الأفلام، والأزهر الذي يجب أن يطور من خطابه ليمثل مادة خاماً نوظفها في أفلامنا، وهي مجهودات تتضافر كلها لمحاربة تلك الظواهر الجديدة».

ضرورة الوعي

انتقد الرملي توجهات الدولة السياسية بعد الثورة واحتضانها «السلفيين»، بحسب رأيه، قائلاً إن ثمة أحزاباً عدة تعتنق الفكر السلمي وأكبرها «النور» الذي ينافس بقوة في البرلمان المقبل، فكيف وسط هذه المعطيات يستطيع الفنانون العمل بحرية لردع هذا الخط الفكري الذي يصل إلى داعش في النهاية؟».

أستاذ الرأي العام في كلية الإعلام بجامعة القاهرة صفوت العالم أكد أن الفصائل المتشددة التي ظهرت أخيراً تستطيع التعامل مع نوافذ وأدوات حديثة تسيطر بها على العقول، ومن ثم توجّه الرأي العام، موضحاً أن المواد الفيلمية والمحتوى الدرامي «جزء من كل» دور تؤديه تلك التنظيمات التي تطورت من مشاهد في قلب الكهوف والجبال إلى كادرات تنقل معاني واضحة ودلالات تعكس وعي بدور المواد المرئية.

وأضاف العالم أن هذه الأعمال تظهر تصويراً وإخراجاً بمستوى عالٍ،  وسيناريوهات مرئية ومحكمة عن طريقة ذبح الضحايا، مؤكداً أنه يجب أن يقابلها تحرك فني للدولة يرفع المعنويات ويخلد لحظات الانتصار في أي من أشكاله، العسكرية أو الدبلوماسية أو السياسية، على هذه التنظيمات. وحذَّر من تحول تلك المواد الفيلمية إلى أداة لتملق السلطة وتمجيد مطلق للحاكم ومطالبة الشعب بمساندته للنهاية، ولكن عليها أن تقدم «رسالة» لا «وصلة نفاق» للقيادة العسكرية، ويجب أن تتوافر نوايا جادة لبلورة رؤية فنية لتوجيه العقول والتأثير في قضايانا الجارية.

واختتم العالم حديثه بأن للفن دوراً تاريخياً «كخط دفاع» فكري وإبداعي ضد موجات التشدد، بالإضافة إلى تصديه إلى «المنتجات المضادة» من الإرهابيين خلال استعانتهم بالكاميرا والمشاهد البانورامية، مشيراً إلى أننا لا يجب أن نقف عند حد «الأفلام الوثائقية» أو القصيرة، بل علينا صناعة «حالة متكاملة» من أعمال فنية موسعة في المسارح والمعارض والمناسبات والفعاليات الفنية، وعلى صفحات المطبوعات الثقافية.

back to top