هل يعلم وزير النفط ومن يسانده أن الكويت تتأثر اقتصادياً بسبب عزوف الشركات الأجنبية عن العمل في الكويت دون أي تدخل لإصلاح هذا الخلل؟ لقد أصبحت الأجواء العامة في الكويت غير مريحة بالنسبة إلى الشركات النفطية الكبرى للعمل فيها.
«اسمع كلامك اصدقك اشوف عمايلك استغرب»، هذا المثل ينطبق بشكل واضح على وزير النفط وزير الدولة لشؤون مجلس الامة د. علي العمير، فهو من صرح بأن حجم الانفاق الرأسمالي في القطاع النفطي خلال السنوات الخمس المقبلة يبلغ 100 مليار دولار لتحقيق استراتيجية مؤسسة البترول الكويتية بمختلف القطاعات في صناعة النفط والتي تشمل الاستكشاف والتكرير والبتروكيماويات والنقل البحري, لكن ما يراه المراقبون ان الوزير كرس جهده وتخطيطة وجل اهتمامه على كيفية غمس القطاع النفطي في السياسة.وللمرة الاولى نرى هذا التحرك الغريب تجاه قطاع حيوي، فالوزير مستمر في تنسيقه مع بعض اعضاء مجلس الامة «زملائه» كونه نائبا ووزيرا محللا لتمرير ما يخطط له، تنفيذا لاجندة خاصة بعيدة تماما عن صلب مهامه في الحفاظ على استقلالية القطاع ومتابعة المشاريع المليارية التي تعطلت بسبب تجاذبه مع القيادات النفطية برعاية حكومية, والسؤال الاهم: كيف سيتعامل الوزير بعد الصراع المستمر مع القيادات النفطية تجاه المشاريع المليارية؟مستجدات متسارعةهل يعلم الوزير ان قطاع النفط هو المورد الرئيسي لإيرادات دولة الكويت، ومن ثم فإن أي تقصير في الوصول إلى الأداء الأمثل يؤثر بلا شك على الكويت؟وتواجه الصناعة النفطية اليوم تحديات متنوعة ومعقدة تأتي وسط مستجدات متسارعة تستوجب التعاون مع مختلف الاطراف للتعامل معها لمصلحة الانسان وصناعة النفط، والكويت تعاني ضآلة فرص تنويع مصادر الدخل، لاسيما إذا علمنا أن النفط لايزال يهيمن على اكثر من 92 في المئة من الإيرادات العامة للدولة مقابل 8 في المئة فقط للمصادر غير النفطية, ومهما كانت التحليلات فان الخاسر الكبير من تراجع القطاع النفطي هو الكويت التي تعتمد على هذا القطاع الحيوي بشكل اساسي، وهو المصدر الاوحد لاقتصادها، وإهمال هذا القطاع ستكون له عواقب وخيمة على مستقبل الكويت، ومنذ تولي وزير النفط لم يشعر المراقبون اي تغير استجد على القطاع بوجوده سوى تغيير وتدوير وإقصاء لبعض القيادات النفطية.والصورة الأفضل لهذا القطاع أن تتم عملياته بصورة طبيعية وجيدة من خلال حمايته وعزله ومحاسبة المسؤولين عن القطاع والاداء والربحية، لكن للأسف هناك تدخلات في القيادات وتعيينها والموظفين والترقيات، وهذا أمر ملموس بصورة كبيرة يأتي من كل الجهات، وأثر سلبا على نمو القطاع.والحد من تلك التدخلات لم يتم، ويكون عن طريق ايجاد تشريع، أو أن تبني السلطات العليا سورا لحماية القطاع من التدخلات، في التوظيف والترقيات والقرارات الأخرى، بحيث تكون بصورة مهنية ومن داخل القطاع.عزوف الشركاتهل يعلم وزير النفط ومن يسانده ان الكويت تتأثر اقتصاديا بسبب عزوف الشركات الاجنبية عن العمل في الكويت دون اي تدخل لاصلاح هذا الخلل، فالاجواء العامة في الكويت غير مريحة بالنسبة إلى الشركات النفطية الكبرى للعمل فيها، لوجود سلسلة طويلة من الاجراءات والطلبات التي تعطل وتعرقل سير العمل، وهو ما لا تراه موجوداً في باقي دول العالم، وهذا الامر ينعكس سلبا على الكويت حيث تقوم هذه الشركات بتقديم اسعار عالية لمعرفتها المسبقة بان تكلفة الكويت اكثر من باقي الدول.وستكون تبعات عزوف الشركات النفطية الكبرى عالية، اذ سترتفع تكلفة تقييم المشاريع، وهناك نماذج سابقة في الكويت تعطلت وتأجلت مما دعا الشركات إلى العزوف او تقديم المناقصات بمبالغ كبيرة، فضلا عن ان الشركات التي ستنفذ المشاريع لا تتمتع بالجودة او المستوى المطلوب مما سينعكس على المشاريع من حيث السلامة والبيئة.ومن يعمل الآن على دخول المناقصات هي الشركات الصينية التي لا يمكن مقارنتها بالشركات الاميركية او الاوروبية من حيث الكفاءة، وفي حال تم تعطيل المشاريع فسيتم فقد القيمة المتوقع الحصول عليها على المدى البعيد.إذاً، فالمطلوب من وزير النفط مخاطبة الجهاز التنفيذي ومن لديه القرار بدعم الصناعة النفطية بشكل اكبر لحماية القطاع من التدخلات المستمرة من خارج القطاع، والنظر إلى دول الخليج التي تعمل بشكل واضح دون عراقيل تؤثر في اهم منابع الاقتصاد لديها, لكن فاقد الشيء لا يعطيه.إعادة الحياة للقطاعتتطلب المرحلة القادمة ان يكون هناك إيمان وأمل ومصداقية في تبني سياسة واستراتيجية إنقاذ فوري وعاجل لإعادة الحياة وإنقاذ أهم مصدر ومورد لتنمية البلاد واقتصادها، من خلال تبني خطة للقطاع النفطي تكون مرآة ومكملة للسياسة العامة للدولة في التنمية الصناعية والاستثمارية، ويرى البعض تحويل ما يعادل 50 في المئة من القطاع النفطي إلى القطاع الخاص كمرحلة أولى، كما تجب الاستعانة بقيادات عالمية في مرحلة إعادة البناء إذا دعت الحاجة، وأن يكون للعمل السياسي بصمة في بناء الرؤية النفطية العامة، مع ايجاد رؤية مع ضوابط وقوانين وقيادة فنية قوية بروح استثمارية.ومن المفترض ان يتطور القطاع، لكن ما نراه الآن هو تقهقر وتراجع واضحان بسبب التغلغل الحكومي ومجلس الأمة الذي اصبح يصدر الاحكام كما يراها هو، ويدعي ان دوره رقابي، لكنه رقابي غير قادر على الرقابة، وهو بصراحة يتدخل في الشؤون التنفيذية التي ليست من اختصاصه.الكويت مطالبة بمراجعة ما تمت خسارته في السابق من مشاريع، وما تم كسبه من مشاريع إيجابية للبلد.إننا بحاجة إلى قوانين جديدة في ما يتعلق بالمشاريع الاستراتيجية، حيث إن الفساد لن ينتهي، ولكن يجب وضع قوانين تشجع الاستثمار الأجنبي وجذب أمواله وخبراته والتكنولوجيا، وهو ما سيصب في مصلحة البلد، على ان تتغير منهجية التفكير في المرحلة المقبلة. وأن من يؤمن بتنمية البلد من المواطنين ويبادر بتصحيح المسار عليه أن يكون وسيلة ضغط تجاه مصلحة الأجيال القادمة، وإذا كان المواطن غير مكترث فالنتائج ستكون أكبر مستقبلا.إذاً، فإنه لا حل للقطاع النفطي إلا بالنأي عن التجاذبات السياسية وعدم إقحام السياسة في قطاع يشكل عصب الحياة الكويتية، حيث ان التخوفات الكويتية لن تقتصر على نضوب النفط، بل ان المشكلة قد تقع قبل ذلك الوقت بانهيار القطاع النفطي بسبب تأخير المشاريع والتشكيك بكل عمل يقوم به القطاع اضافة الى مجاراة الحكومة لبعض افكار التكتلات السياسية، وعلى الجميع تقدير حجم الكارثة والتدهور الكبير في القطاع النفطي. والكويت بحاجة الى النأي بالقطاع النفطي عن جميع التجاذبات التي تؤثر في هذا القطاع، حتى لو اصبح هذا القطاع تابعا للديوان الاميري مباشرة.
اقتصاد
النفط والطاقة: كيف سيتعامل العمير مع 100 مليار دولار للمشاريع النفطية
26-05-2015