أصبح الاستقطاب إحدى سمات الحياة السياسية، فانتقل من الدوائر إلى الإيداعات وانتهى بالصوت الواحد، أما بخصوص المرأة فكما عودنا شهر مايو بالمبادرات النسائية، فمن يدري لعل مايو المقبل يأتينا محملاً بتغيير انتخابي جديد كقائمة انتخابية نسائية أو "كوتا مؤقتة" للمقاعد البرلمانية أو حتى تشكيل حزب للمرأة!

Ad

صفحات من تاريخنا البرلماني "الحديث" نستذكرها كلما مررنا بذكرى كتابة الدستور، وقد أعادت ذكرى هذا العام لنا أحداثاً مضت تاركة بصماتٍ على الحياة السياسية التي ابتدأت "برلمانياً" بالدوائر العشر عام 1961 مع انتخابات المجلس التأسيسي، مع الأخذ بعين الاعتبار الأفكار المهمة المستقاة من محاضر اللجنة الأساسية لكتابة الدستور في ظل تقسيم المناطق الانتخابية إلى عشر دوائر وفقاً للقانون 28 لسنة 1961، تبعتها فترة السبعينيات، فتعرض المجلس للمرة الأولى للحل غير الدستوري في ظل طغيان العامل "النفطي" على البيئة السياسية المحلية، بل والعالمية أيضاً، وذلك بالانضمام إلى قاطرة المقاطعة النفطية كرد فعل للدعم الأجنبي اللامحدود الذي حصلت عليه إسرائيل، مما دفعها إلى الاستمرار في الممارسات الوحشية والاستيطان، والعامل السياسي المتمثل في أحداث "الصامتة" الحدودية المؤلمة، ورغم ذلك وافق المجلس على زيادة رأسمال صندوق التنمية وإنشاء بنك التسليف والادخار.

وجاءت فترة الثمانينيات، فحملت تغييرات عديدة أبرزها تعديل النظام الانتخابي بعد استمرار "نظام الدوائر العشر" على مدى أربعة انتخابات متتالية، فحلت الخمس والعشرون دائرة مكان العشر، وفي منتصف الثمانينيات حل البرلمان حلاً غير دستوري لاختناق الحياة السياسية ولظروف إقليمية كالحرب العراقية الإيرانية، والتي مست تداعياتها الكويت ودول الخليج الأخرى، بالإضافة إلى نمو الشبكات الإرهابية وتفاقم أسلوب الإرهاب الجوي، الذي تعرضت له الكويت أيضاً.

أما التسعينيات، فقد جاءت محمّلة بأحزان الغزو وتداعيات العلاقات العربية العربية، فاستعادت الحياة النيابية مكانتها بحذر محمّلة بقضايا كبيرة ووجوه برلمانية مخضرمة وأخرى جديدة، فلم تحتمل الحياة السياسية المشادات والمواجهات، فحُلَّ المجلس حلاً دستورياً عام 1999 في شهر مايو، والذي أصبح شهراً للمبادرات الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة، وأثار مقترح تمكين المرأة من الترشح والانتخاب استقطاباً على الساحتين السياسية والأكاديمية، فدخلت في مرحلة إعادة ترتيب الأولويات وبرزت الوجوه البرلمانية بتصنيف جديد ما بين مؤيد ومعارض، وابتدأ الترويج للحقوق السياسية للمرأة محلياً ودولياً خلال عام 2004، واحتوى الخطاب السياسي الكويتي على مفردات خاصة بالحقوق السياسية للمرأة رغم انقسام الشارع حينئذٍ بين مؤيد للمرأة والدوائر الخمس ومعارض للتعديل الانتخابي، حتى أقرت الحقوق السياسية وسط شعارات عدة، أبرزها "نبيها خمس" و"حق المرأة الآن"، ففازت أربع نساء، ولم تعطَ الفرصة الكافية لإحداث النقلة النوعية للعمل البرلماني، إذ اشتدت المواجهة بين بعض النواب والوزراء، فسَرقت الأضواء الإعلامية وحولتها من قضايا تنموية ملحة إلى قضية الاستقرار السياسي، وأسفرت الجلسات عن سلسلة من المواجهات.

بعدها بعدة أعوام، عاد الاستقطاب السياسي إلى الساحة الانتخابية مشتعلاً بقضية جديدة، وانطلق الناخبون بمبادرات عدة لمقاطعة الأسماء التي التصقت بها قضايا الإيداعات المليونية، وانطلق المرشحون المتهمون بالإيداعات بمبررات حول السلامة القانونية للترشح، وبين حل مجلس 2009 وبطلانه وتشكيل مجلس 2012 ثم إلغائه واقتحام المجلس والخروج ببراءة، وانطلاق مسيرات الكرامة، أجري تعديل آخر على القانون الانتخابي، فتقلص عدد الأصوات من أربع إلى "الصوت الواحد" المحصن من قبل المحكمة الدستورية، تاركاً المجال لاستقطاب جديد انقسمت الآراء حوله بين مؤيد ومعارض للصوت الواحد خلال المرحلة الأولى، ثم استقطب المجلس بعض معارضي "الصوت الواحد" وأعيد تمكينهم من الحياة البرلمانية كأعضاء.

خلاصة الحديث أن الاستقطاب أصبح إحدى سمات الحياة السياسية، فانتقل من الدوائر إلى الإيداعات وانتهى بالصوت الواحد، أما بخصوص المرأة فكما عودنا شهر مايو بالمبادرات النسائية، فمن يدري لعل مايو القادم يأتينا محملاً بتغيير انتخابي جديد كقائمة انتخابية نسائية أو "كوتا مؤقتة" للمقاعد البرلمانية أو حتى تشكيل حزب للمرأة! وللحديث بقية.