عن شعار «الحكومة المنتخبة»
لا يمكن أن يكون الحديث عن النظام البرلماني الكامل حديثا موضوعيا وواقعيا من دون البدء بحزمة إصلاحات سياسية ديمقراطية من أجل تحقيق متطلباته الأولية، ومن ضمنها معالجة الفوضى السياسية الحالية الناتجة عن عدم تنظيم العمل السياسي على أسس مدنيّة ديمقراطية؛ مما أدى إلى تكاثر مجاميع سياسية متخلفة، فكراً وممارسة، تتبنى الطرح الطائفي والقبلي والعنصري، وترفع شعار «الحكومة المُنتخبة»!
ترفع بعض أطراف المعارضة شعار "الحكومة المنتخبة" كمطلب سياسي بالرغم من ضبابية الشعار أو المصطلح والتباسه وعدم واقعيته، إذ إن الحكومة، كما سبق أن ذكرنا، لا تُنتخب مباشرة من الشعب، فالذي يُنتخب ويُشكل الحكومة في الدول الديمقراطية هو إما الرئيس في النظام الرئاسي حيث يتولى، بعد انتخابه، تشكيل الحكومة، أو البرلمان في الأنظمة البرلمانية، إذ يُكلّف الحزب الحائز أغلبية أصوات الناخبين (أو ائتلاف الأغلبية في حالة عدم حصول حزب واحد على الأغلبية) بتشكيل الحكومة، وتُسمى في هذه الحالة الحكومة البرلمانية التي ليس بالضرورة أن يكون كل أعضائها من البرلمان (يعمل بهذا النظام في الملكيات الدستورية، وتأخذ فرنسا بالنظامين، أي رئيس منتخب يقوم عادة بتكليف رئيس حزب الأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة رغم أن الدستور الفرنسي لا يلزمه بذلك).حتى لو تجاوزنا إشكالية المصطلح والتباسه، والتي يفترض ألا تقع فيها التنظيمات السياسية الواعية، فإن الحديث عن الحكومة البرلمانية أو ما تُسميه أطراف في المعارضة "الحكومة المنتخبة" كهدف سياسي في ظل الظروف السياسية الحالية هو حديث عاطفي وغير موضوعي يقفز على الواقع الفعلي، فيضيع الجهود ويشتتها ولا يحقق، بالتالي، أي فائدة تذكر، حيث إن الحكومة البرلمانية تحتاج إلى إصلاحات سياسية أولية تُمهد الطريق لقيامها، وهي غير متوافرة حاليا، ويفترض تركيز الجهود على تحقيقها أولا (مثل إشهار التنظيمات السياسية التي تقوم على أسس مدنيّة ديمقراطية مع حظر التنظيمات الفئوية والطائفية والعنصرية، وإقرار نظام انتخابي متطور وعادل)، علاوة على أن الحكومة البرلمانية تتطلب تعديلات دستورية تحتاج إلى توافق وطني عام لا يمكن تحقيقه في ظل الانقسام السياسي والاجتماعي الحاد والمؤسف الموجود حاليا.
وكما تساءلنا في مقال سابق لنفترض أننا انتقلنا اليوم إلى النظام البرلماني الكامل فمن يا تُرى سيُشكل الحكومة؟! بمعنى آخر من حزب الأغلبية الذي سيشكل الحكومة؟ وكيف سيتم تداولها ونحن ليس لدينا قانون لتنظيم العمل السياسي على أسس مدنية ديمقراطية؟!على هذا الأساس لا يمكن أن يكون الحديث عن النظام البرلماني الكامل حديثا موضوعيا وواقعيا من دون البدء بحزمة إصلاحات سياسية ديمقراطية من أجل تحقيق متطلباته الأولية، ومن ضمنها معالجة الفوضى السياسية الحالية الناتجة عن عدم تنظيم العمل السياسي على أسس مدنيّة ديمقراطية؛ مما أدى إلى تكاثر مجاميع سياسية متخلفة، فكراً وممارسة، تتبنى الطرح الطائفي والقبلي والعنصري، وفي الوقت ذاته ترفع شعار "الحكومة المُنتخبة"! وتقصد بها حكومتها هي التي ستقُصي الآخرين في ما بعد لأنها غير مؤهلة إطلاقا لتشكيل حكومة برلمانية ديمقراطية، حيث إنها تعادي من الأساس الدستور والقيم الديمقراطية والحريات والتعددية وتداول السلطة أي أنها تعادي، بحكم طبيعة فكرها وتكوينها، النظام المدنيّ الديمقراطي.