ما قل ودل: «بورتو مصر» أرباح طائلة وموارد ضائعة على الدولة
مادلين أولبرايت و30 يونيو
إن تقبل الشعب في مصر لإلغاء الدعم على المحروقات وبعض السلع الضرورية دون أي معارضة ودون أن تقوم مظاهرات، لدليل كامل على أن ما حدث في مصر في 30 يونيو لم يكن انقلابا، بل كان ثورة حقيقية، هذا ما نقلته صحيفة الأهرام (المصرية) منذ أيام عن مادلين أولبرايت وزيرة خارجية أميركا في فترة حكم الرئيس كلينتون.وأعتقد أنها لمحة ذكية من السيدة أولبرايت، لأن العالم يتابع ما حدث للمصريين منذ ثورة 25 يناير بدهشة يخالطها إعجاب أو انبهار تارة، وقلق أو انزعاج تارة أخرى، بسبب ما طرأ من تغييرات على الحراك السياسي في مصر.الرضاء العام في مصر ولكنوالواقع أن القبول العام في مصر بالأعباء المالية الجديدة يرجع إلى ما زرعه النظام الجديد بعد انتخاب الرئيس السيسي من أمل في نفوس السواد الأعظم من الشعب، في مشروع قومي حضاري بدأه بقناة السويس الجديدة، التي بدأت تحفرها وكادت الأيدي العاملة المصرية تنتهي من حفرها، وبالمدخرات المصرية، دونما حاجة إلى البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، والنهوض بالصعيد وإعمار سيناء، وغير ذلك من استثمارات للتنمية المستدامة وخلق فرص عمل للملايين من المصريين.غير أن ما ينبغي أن يتنبه إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي أولاه الشعب ثقة كاملة، هو أن هذا الشعب قد تحمل أعباءً مالية كثيرة خلال القرون الماضية من منظومة الفساد التي عششت في كل مرافق الدولة، وأنه قد لا يستطيع تحمل المزيد.موارد لميزانية الدولة غائبةومن ثم كان على الدولة البحث عن موارد مالية جديدة، تتحملها المنظومة المكونة من رجال الأعمال الذين أثروا ثراءً فاحشاً في ظل تزاوج المال بالسلطة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.وكنت واحداً من الكتّاب الذين انتقدوا فرض ضريبة على السكن الخاص على صفحات جريدة "الأهرام" في عددها الصادر في 21/ 4/ 2008 تحت عنوان "الضريبة على السكن الخاص... محاولة للفهم".وقد ركزت في هذا المقال على أمرين، أولهما: افتقاد هذه الضريبة للمنظور الاجتماعي والإنساني وللعدالة الضريبية وتوغلها على السكن الخاص، وهو مال لا يدرّ دخلا على صاحبه، بما يؤدي إلى إرهاق الممول بأعباء هذه الضريبة سنويا، لتتآكل قيمة السكن الخاص في بضع سنوات، وهو ما ينطوي على إهدار للحماية التي كفلها الدستور للملكية الخاصة، ثانيهما: أن هناك موارد لميزانية الدولة لم تمتد إليها يد الدولة، لأنها تحت سيطرة الشركات التي تمنحها الدولة امتيازات كبيرة تحقق منها أرباحا طائلة.ومن هذه الشركات شركات المنتجعات السياحية التي أقيمت وتقام على أراضٍ خصصتها الدولة لها بأسعار زهيدة أو رمزية مقابل تحملها لتكلفة البنية التحتية لهذه الأراضي، وشركات الإسكان التي باعتها الدولة أراضي لحل أزمة الإسكان تولت تقسيمها وبيعها للأفراد، أو بعد إقامة مجمعات سكنية عليها تبيع وحداتها للأفراد. مسلسل بورتو مصرومن هذه الشركات مسلسل أشبه بالمسلسلات المكسيكية، لكنه في عالم الاستثمار و"البزنس" بدأه منصور عامر، الذي استطاع بذكائه وعلاقاته الاجتماعية بالسلطة- بعد فوزه في انتخابات مجلس الشعب 2000 واختياره عضوا بلجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم، وهي اللجنة التي كان يترأسها جمال مبارك- أن يستولي من خلال قربه من أطراف متنفذة على مساحات واسعة من الأراضي، منها 23 مليون فدان قيمتها 900 مليون جنيه، كانت ملكا للدولة وغير مخصصة للبيع، ومخصص بعضها للأغراض العسكرية، وهو ما كان موضوع تحقيق قضائي قام به المستشار أحمد إدريس، بناء على بلاغ مقدم من "هيئة التعمير والتنمية الزراعية" لاستيلاء شركة عامر غروب على أراض ملك الدولة، وهو الاتهام الذي دفعته الشركة بشرائها هذه الأراضي من المحافظة، وقد كان يتقرب من بعض المحافظين، بتخصيص شاليهات وشقق لبعضهم، أفقدتهم القدرة على زنة الأمور بالميزان الصحيح.وكانت له بصماته في كل محافظة من المحافظات المهمة التي أقام فيها إمبراطوريته، سواء على ساحل البحر الأحمر أو على ساحل البحر الأبيض المتوسط أو في قلب القاهرة الكبرى، وأن يمد نشاطه إلى بورت طرطوس في سورية وبورت أغادير في المغرب وبورت البحر الميت في الأردن.الثروة امتلاك كل شيء وهل من مزيد؟وهو عنوان حمله تقرير منظمة أوكسفام، عن عام 2014 الذي ترفعه إلى مؤتمر دافوس في كل عام، وهو التقرير الذي علق عليه د. محمود الخفيف الباحث الاقتصادي بالأمم المتحدة في صحيفة الأهرام منذ بضعة أسابيع تحت عنوان "عولمة الإمبريالية المتوحشة أعلى مراتب الاستغلال" قائلاً: "يبدو أن أوكسفام من خلال هذا التقرير تخير المجتمعين في دافوس بمدى اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء في العالم، وتستجديهم للتقليل من سرعة اتساع هذه الهوة، وقد يكون ذلك مجديا مع بعض زعماء العالم الثالث المهمومين بمشاكل الفقر والعدالة الاجتماعية في بلادهم".وليس هناك أكثر من رئيس مصر، الرئيس عبدالفتاح السيسي وحكومته، مهموم بمشاكل الفقر في مصر، وضرورة إعادة التوازن بين الطبقات، الذي اختل تماما في ظل منظومة الفساد السابقة.لا سيادة للدولة على هذه المنتجعات والمجمعاتذلك أن بعض هذه الشركات وعلى رأسها مجموعة منصور عامر (بورتو) استطاعت أن تحقق على أرض الواقع في هذه المنتجعات السياحية، والمجمعات السكنية، سيادة تشبه سيادة الدولة، حيث تتولى هذه الشركات وحدها حفظ الأمن والنظام فيها، من خلال شركات الأمن التي تتعاقد معها للقيام بهذه المهام.وتبدو الدولة غائبة غيابا كاملا عن هذه المنتجعات والمجمعات، وكأنها قد تنازلت عن سيادتها عليها لهذه الشركات، التي أصبحت تجبي من ملاك الوحدات إتاوات ورسوماً هي من حق الدولة، في حماية شركات الأمن التي هي لضمان تحصيل الشركات الأم، للإتاوات والرسوم التي تفرضها على ملاك الوحدات، سواء كانت هذه الإتاوات والرسوم تستند إلى نصوص باطلة في عقود الإذعان التي أبرمتها الشركة مع الملاك أو بالمخالفة لهذه العقود، فهذه هي المهمة الحقيقية لشركات الأمن.وللحديث بقية عن الشركات التي ضيعت وتضيع على الدولة رسوم تسجيل الأراضي التي اشترتها من الدولة، فضلا عن الرسوم على تسجيل وحدات هذه المنتجعات والتجمعات لأصحابها، والتي تحصلها هذه الشركة لحسابها أضعافاً مضاعفة منهم، حيث تنقل التنازل عن هذه الوحدات في دفاترها، وبما يضيع على الدولة كذلك ضريبة التصرفات العقارية.