هناك مواقف يمكن أن تثير الضحك في وقت وظروف معينة، بينما تثير الألم والمرارة في ظل أوضاع وظروف مغايرة، كان يمكن أن يثير موقف أو تصريح لمسؤول تهكم وسخرية الرأي العام ويمر، ولكن ذات الموقف أو التصريح يتحول إلى تفجير حالة الغضب لدى الناس في ظرف يشعرون فيه بالخطر، وأهمية التعامل الجدي مع الواقع. نحن في مصر نعيش الحالة الثانية، إحساسنا بأن الوقت ليس في صالحنا، وأن ما ينبغي علينا عمله يحتاج إلى قدر لا محدود من الجدية، لذلك فإن ما قد يكون مثيراً للضحك قديماً والقدرة على تجاوز تجاوزات مسؤولين، يدفعهم طموحهم الشخصي أو أضواء الإعلام المبهرة، هو أمر غير وارد في هذه المرحلة.
تحتاج مصر إلى إطلاق مشروعات عملاقة جادة، بهدف حملها من عثرتها، ويحلو للكثيرين وصف هذه المشروعات بالقومية، ولا مانع في هذا، بعد أن ظل الحلم العام سنوات طويلة يبحث عن مشروع قومي يلتف حوله الناس، من يقول هذا يقوله وفي ذهنه تحضر صورة السد العالي، الذي يعتبر النموذج لمثل هذه المشروعات في زمنه، وحقق وقتها الهدف منه. ويولي الرئيس السيسي أولوية خاصة وواضحة لهذه المشروعات العملاقة، لاقتناعه أن السبيل لعودة مصر هو العمل الجاد والتفكير بشكل غير تقليدي لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر.لكن هناك مع الأسف من المسؤولين من اعتقد أنه لكي يكون قريباً من الرئيس ومن دائرة الضوء، فإن عليه أن «يرش» الأرض حديثاً عن مشروعات قومية وأخرى عملاقة، وعن مستثمرين دول وأشخاص «يتقاتلون» من أجل المشاركة في هذه المشروعات، ويأمل المسؤول هنا أن يلقى حديثه هذا استقبالاً وصدى جيداً لدى القيادة، وأن يفتح له «النوافذ» الإعلامية ليغرق الرأي العام كلاماً على شاكلة «... قطار التنمية انطلق في مصر ليصل بها لأن تكون قطب النمو في المنطقة والعالم، ولا تستطيع قوة على وجه الأرض أو كائن من كان أن يوقفه»، ولست أدري ما العلاقة بالضبط بين محاولة المسؤول الترويج لـ«قومية» مشروع واقتصاداته، وبين هذا النوع من اللغو الذي يبدو تعبيراً عن رغبة تسلق أكثر منها كعمل جاد.واستمراراً في محاولة شرح ما أقصد، فإنني سأذكر نموذجاً آخر لخبر لم أستطع أن أتفاعل معه بالضحك والسخرية، رغم أنه يمتلك العناصر الكفيلة بذلك، ولكنه تسبب في حالة غضب مكتوم من مثل هذه المواقف من أمثال هذا المسؤول، أنا لن أذكر من هو هذا المسؤول رغم أنه سهل جداً معرفته، لأن قضيتي ليست الشخص، بل السلوك الذي أشرت إليه في البداية.فقد صرح الدكتور المسؤول، «بأن الحكومة الحالية بصدد عمل مشروع «سفينة بها سكة حديد» -لاحظوا هنا سفينة بها سكة حديد- للربط بين ميناء دمياط وإيطاليا، لنقل البضائع والمنتجات بتكاليف أقل، كما أنه سيكون هناك خط للربط بين دمياط وباقي المحافظات حتى سفاجا، لتوزيع المنتجات والبضائع من وسط أوروبا لدول الخليج، وباقي دول العالم»، لم يذكر لنا السيد المسؤول كيف سيتحول المركب إلى قطار؟ وهل هو مركب برمائي؟ أم انه يحمل قطاراً ذا «جناحين» ليقفز بهما إلى خطوط السكة الحديد؟ وهل سيستعين في ذلك بمخرج ومنفذي سلسلة الأفلام الشهيرة «ترانسفورمرز» أو «المتحولون»؟ هذه النوعية من التصريحات مكانها محاولة الدخول إلى موسوعة «غينيس» للغرائب والطرائف، وليس مكانها مجتمعاً مازال يجاهد من أجل أن يحسّن مستوى السكك الحديدية ليصل ركابه بأمان وهم على قيد الحياة!هذه النوعية من المشروعات مكانها سيناريوهات الأفلام الكوميدية، مثل ذلك «الفنكوش» الشهير لعادل إمام، ولكن ليس مكانه أوساط مجتمع في تحد يحاول أن ينجح فيه. قد تكون مسألة القطار المركب صحيحة، ولكنها ليست ما ينتظره الناس في هذه المرحلة، وسوف أؤجل الحديث هنا عن ذلك المشروع الذي يطاردنا في كل وسائل الإعلام عن حل أزمة الطاقة بإعادة تدوير زيت الطعام المستخدم!ملء الساحة بالضجيج حول مشروعات «عملاقة» دون وجود معلومات ودراسات وإمكانات تمويل حقيقية وممكنة هو شكل من أشكال التحايل على الرأي العام، وعلى الرئيس الذي وثق به الناس وحملوه المسؤولية، وحسناً فعل الرئيس، عندما ألغى وضع حجر الأساس لمشروع تردد أنه من تلك النوعية من المشروعات، وحسناً فعل عندما طالب المسؤولين بأن يأتوا جاهزين بالدراسات العلمية والتمويل الجاد قبل أن يتحدثوا عن مشروعات «عملاقة».
أخر كلام
لا وقت للعبث بمستقبل شعب
27-12-2014