الفرق بين خطاب الكراهية وحرية الرأي
حرية الرأي والتعبير منطلقها حضاري ومتمدنلا يفرض رأياً معيناً، بل يُناقش الرأي الآخر بكل احترام وموضوعية في الطرح من خلال الحجج والبراهين والأدلة، إضافة إلى أن لغته المستخدمة تكون راقية، ومختلفة أيضاً عن لغة خطاب الكراهية، فلا تحقير ولا تسفيه ولا ازدراء لشريحة أو فئة اجتماعية أو لصاحب رأي أو لأصوله ومذهبه ودينه.
يخلط البعض، بحسن نية أحياناً، بين خطاب الكراهية وحرية الرأي والتعبير، بالرغم من أن الفرق بينهما واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، إذ إن خطاب الكراهية خطر على السلم والأمن الاجتماعيين، فمنطلقاته طائفية وفئوية وعنصرية، ولغته ازدراء وتهكم وتسفيه وتحقير وسخرية من آراء الطوائف والمذاهب والأديان والأعراق الأخرى، ومحاولة فرض الرأي بالقوة، وهو ما يفضي إلى تعميق الاختلافات الثانوية والجانبية والنفخ في نارها، لجعلها تبدو كأنها الخلافات الأساسية أو الصراع الرئيسي والأهم في المجتمع، بينما ترتكز دعوته على إذكاء البغض الاجتماعي، والتطاول على المكونات الاجتماعية والدينية، والتحريض على العنف والإرهاب، ما يدمر أسس التعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية المختلفة. أما حرية الرأي والتعبير فمنطلقها حضاري ومتمدن لا يفرض رأياً معيناً، بل يُناقش الرأي الآخر بكل احترام وموضوعية في الطرح من خلال الحجج والبراهين والأدلة، علاوة على أن اللغة المستخدمة تكون هنا لغة راقية، ومختلفة أيضاً عن لغة خطاب الكراهية، فلا تحقير ولا تسفيه ولا ازدراء لشريحة أو فئة اجتماعية أو لصاحب رأي أو لأصوله ومذهبه ودينه.وعلى هذا الأساس، فإن خطاب الكراهية محظور دستورياً ودولياً، وصاحبه منبوذ اجتماعياً في المجتمعات المتحضرة، أما حرية الرأي والتعبير فمكفولة في الدستور وفي المواثيق الدولية.ومع أن تأثير خطاب الكراهية والبغض الاجتماعي على مستوى الأفراد محدود جداً، إلا أنه محظور في الدول المتقدمة لما يمثله من خطر على المجتمع. وتزداد درجة خطورة خطاب الكراهية، وقد يترتب عليه أحياناً استخدام العنف وارتكاب أعمال إجرامية دنيئة تُهدد السلم الاجتماعي، عندما يكون موقف الحكومة منه غامضاً وموارباً، أو عندما يكون له انعكاس مباشر أو غير مباشر على سياساتها وقراراتها العامة، أي توافر ظروف موضوعية، بالمعنى الأدق، والتي قد تكون، على سبيل المثال، في نظام الانتخابات العامة والمشاركة السياسية، أو في المناهج الدراسية، أو في سياسات التوظيف والتعيين والترقية في المناصب الحكومية، ولا سيما تلك التي ينتج عنها إقصاء أو تهميش أو ازدراء شرائح وفئات اجتماعية بعينها، وهو ما يمكن ملاحظته بسهولة في قرارات حكومات الدول المُتخلّفة التي تُحتكر فيها السلطة والثروة، أو الحكومات التي تُشكّل عن طريق المحاصصة الطائفية والفئوية كما هو الحال، مثالاً لا حصراً، في لبنان والعراق.كما يدخل ضمن ذلك أيضاً سماح بعض الحكومات للمتطرفين الطائفيين والعنصريين بترويج خطاب الكراهية والعبث بالنسيج الاجتماعي الوطني، من خلال محاولة الحط من قدر شرائح وفئات اجتماعية أو طوائف ومذاهب معينة، وذلك في وسائل الإعلام المختلفة، سواء كانت رسمية أو خاصة!