أكدت محكمة الجنايات عدم جواز قيام رجال الأمن بالقبض على الأفراد من دون الحصول على إذن من النيابة العامة، وإلا تعرضوا للمساءلة القانونية التي تلزمهم أن يكون القبض وفق الضوابط التي وضعها قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.

Ad

في حكم قضائي بارز، قضت محكمة الجنايات ببراءة متهم وافد من تهم الاتجار بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلية، وذلك لبطلان إذن القبض والتفتيش الصادر من وكيل النيابة لضابط المباحث بعدما أكدت المحكمة أن الإذن الصادر من وكيل النيابة كان لاحقا على عملية القبض على المتهم مما يكون معه أمر ضبطه مخالفا للدستور والقانون.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها التي برأت المتهم من تهم الاتجار بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلية إلا أنها أدانته على تهمة تعاطي المواد المخدرة التي اعترف بها مع إنكاره لتهم الاتجار بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلية، ان القانون وضع قواعد ملزمة يتعين على رجال الشرطة اتباعها حين القبض على الأفراد قاصدا بذلك وضع ضوابط لذلك الإجراء حماية لحقوق وحريات الأفراد من إساءة الحق في استعماله.

واضافت المحكمة أن عدم اتباع تلك الضوابط لا يقتصر عند مخالفته على تقرير البطلان كجزاء إجرائي له لأنه نص وجوبي على القائم به الالتزام فيه، بل يتعدى الأمر إلى اعتبار ذلك جريمة يعاقب عليها القانون حسب نص المادة 184 من قانون الجزاء ومحاسبة مجري الضبط عنها.

وتتلخص وقائع القضية، بحسب ما شهد به ضابط المباحث، بأن تحرياته السرية دلت على قيام المتهم بحيازة وإحراز مواد مخدرة ومؤثرة عقليا بقصد الاتجار والتعاطي فاستصدر إذنا من النيابة العامة بضبطه وتفتيش شخصه ومسكنه، وتنفيذا لذلك انتقل إلى مسكن المتهم، وبضبطه وتفتيشه عثر بجيب بنطاله الأيمن على علبة سجائر فيها قطعة متوسطة الحجم ملفوفة بنايلون شفاف بني اللون واصبع متوسط الحجم لمادة الحشيش المخدرة، وكيسين صغيري الحجم من النايلون الشفاف يحتويان على مادة الآيس المخدر و5 أقراص ترامادول ومبلغ مالي قدره 270 دينارا كويتيا، وبتفتيش حجرته عثر بداخل درج «كوميدينو» على كيس يحوي ثلاث قطع لمادة الحشيش المخدرة، وكيس من النايلون الشفاف أزرق اللون يحوي كمية من المؤثرات العقلية نوع الترامادول، وكيس آخر من النايلون الشفاف فيه كمية من المؤثرات العقلية نوع الترامادول، كما عثر على ميزان حساس، وبمواجهته بالمضبوطات اقر بإحرازها وحيازتها بقصد الاتجار والتعاطي، وأن الميزان المضبوط يستخدم في وزن المضبوطات، والأكياس لتعبئتها والمبلغ المالي جاء نتيجة الاتجار بتلك المواد.

كما ورد في تقرير الإدارة العامة للأدلة الجنائية، العثور في عينة بول المتهم على متحللات مادة الحشيش المخدرة، وعلى أحد مشتقات مادة المورفين المخدرة، وعلى مادة الأمفيتامين المؤثرة عقلياً، وأن المضبوطات عبارة عن كيس من النايلون الأزرق معقود في داخله 552 قرصاً دائرياً أحمر اللون تحتوي على مادة الترامادول المؤثرة عقلياً، عدد ثلاث قطع مختلفة الأحجام والأشكال، هي اثنتان مغلفتان بسيلوفان أحمر وواحدة بنايلون شفاف وقطع لمادة داكنة اللون ذات رائحة عطرية مميزة، زنتها القائمة 710 جرامات و300 من الألف جرام من مادة الحشيش المخدرة.

وتضم المضبوطات أيضا كيساً من النايلون الشفاف يغلق ذاتياً بداخله 109 أقراص حمراء تحتوي على مادة الترامادول المؤثرة عقلياً، وعلبة سجائر ماركة مارلبورو بداخلها قطعتان من مادة داكنة اللون ذات رائحة عطرية مميزة أحداها مربعة والأخرى على هيئة أصبع وهما ملفوفتان بسيلوفان أحمر وزنتهما 32 جراماً و510 من الألف من الجرام من مادة الحشيش المخدرة.

وعلاوة على ذلك، تضمنت المضبوطات كيسين من النايلون الشفاف بداخلهما حبيبات بلورية بيضاء زنتها 750 من الألف جرام من مادة الميثامفيتامين المؤثرة عقلياً، وكيساً من النايلون الشفاف يغلق ذاتياً بداخله 5 أقراص دائرية حمراء تحتوي على مادة الترامادول المؤثرة عقلياً، وأنه باستجواب المتهم عن تهم حيازة المواد المخدرة والمؤثرات سالفة الذكر، أنكرها جميعها.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها، إن دفع الحاضر عن المتهم ببطلان القبض عليه وتفتيشه لحصولهما قبل استصدار أمر من النيابة العامة وما ترتب على ذلك من إجراءات، فهو سديد، ذلك أنه من المقرر بنص المادة 59 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية أنه (يجب على المسؤول عن مركز الشرطة أن يثبت جميع حالات القبض بسجل المركز، ويعين فيه وقت بدء القبض وسببه ووقت انتهائه، وتبلغ قائمة بهذه الحالات إلى مدير الشرطة والمحقق في مواعيد دورية تحددها اللوائح والأوامر، ويشمل التسجيل والإخطار جميع حالات القبض، بناء على أمر أو بدونه، وسواء حصل القبض بمعرفة رجال الشرطة أو بمعرفة الأفراد).

ومما جاء في حيثيات حكم المحكمة أنه، «لما كان ذلك وكان المشرع في النص سالف البيان قد وضع قواعد ملزمة يتعين على رجال الشرطة اتباعها حين القبض على الأفراد على النحو المبين تفصيلا بذلك النص قاصداً بذلك وضع ضوابط لذلك الإجراء حماية لحقوق وحريات الأفراد من إساءة الحق في استعماله، ولا يقتصر الأمر عند مخالفته على تقرير البطلان كجزاء إجرائي له، لأنه نص وجوبي على القائم به الالتزام فيه عملاً بنص المادة سالفة الذكر، ونصّ المادة 60 من ذات القانون أيضاً، بل يتعدى الأمر إلى اعتبار ذلك جريمة يعاقب عليها القانون حسب نص المادة 184 من قانون الجزاء.

وجاء في الحكم أيضاً، أنه،» لما كان الثابت من تحقيقات النيابة العامة أن المتهم قد قرر أنه تم ضبطه بتاريخ 5/10/2013 الساعة الثانية عشرة ليلاً، وكان الثابت من محضر التحريات المحرر بمعرفة ضابط الواقعة أن وكيل النائب العام أصدر له الأمر بضبط المتهم وتفتيشه في تمام الساعة الحادية عشرة و55 دقيقة من مساء يوم 6/10/2013، وكان الثابت من دفتر أحوال الإدارة العامة للمباحث الجنائية للأيام من 5/10/2013 حتى 7/10/2013 أنه قد خلا من أي بيان يفيد بأنه قد ألقي القبض على المتهم، وسبب ذلك ووقت بدئه وانتهائه حسب ما أوجبه المشرع على النحو سالف البيان».

وأضاف أنه، لما كانت تلك الإدارة إحدى الإدارات التابعة لوزارة الداخلية وفيها مكان مخصص لحجز الأفراد فإنه يسري عليها حكم المادة 59 سالفة البيان، وإذ كان ضابط الواقعة خالف ما أوجبه المشرع من قواعد تتعلق بضوابط القبض على الأفراد على النحو سالف البيان، فإن المحكمة ترجح دفاع المتهم من أنه قد ألقي القبض عليه في الوقت الذي ذكره أي قبل استصدار الأمر بالقبض عليه وتفتيشه، لاسيما أنه لا يعرف مسبقاً تاريخ ووقت استصدار الإذن في مواجهته.

ولفتت المحكمة إلى أن الثابت لها من مطالعتها لمحضر تحريات ضابط الواقعة، أنه ترك مكان شقة المتهم خالياً، ما يزيد من عدم اطمئنان المحكمة إلى أن القبض على المتهم وتفتيشه كانا نتيجة أمر النيابة العامة وبعد استصداره، من ثم فإن المحكمة تقضي تبعاً لذلك ببطلان القبض والتفتيش، وما ترتب عليهما من إجراءات بشأن تلك التهم، والقضاء ببراءته منها عملاً بنص المادة 172/1 من قانون الإجراءات الجزائية.

وعن التهمة الرابعة، ذكرت المحكمة أنه لما كان من المقرَّر بقضاء محكمة التمييز أن العبرة في الإثبات في المواد الجزائية هي باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة على بساط البحث، فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ بأيِّ دليل يرتاح إليه من أي مصدر شاء، سواء من محاضر جمع الاستدلال أو التحقيقات السابقة على المحاكمة أو في جلسة المحاكمة، ولا تصحّ مصادرته في شيء من ذلك، إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينصّ عليه (الطعن رقم 1 لسنة 1976 جزائية جلسة 7-6-1976)، وأن الاعتراف في المسائل الجزائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع (الطعن رقم273/96 جزائي جلسة 3/11/1997).

وأضافت أنه، لما كان ذلك، وكان المتهم قد اعترف بتحقيقات النيابة العامة بارتكاب الجريمة المسندة إليه بالبند رابعاً بحيازة وإحراز مادة مؤثرة عقلياً (ترامادول) بقصد التعاطي، دون أن يثبت أنه قدر رخص له بذلك قانوناً، فإن المحكمة تأخذ بذلك الاعتراف باعتباره دليلاً منبت الصلة عن إجرائي القبض والتفتيش الباطلين سالف البيان، وتقضي بإدانته عن هذه التهمة عملاً بالمنطبق عليها من مواد الاتهام والمادة 172/1 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.

وأشارت المحكمة إلى أن المتهم، ولما كان أجنبياً فإنها تقضي بإبعاده عن البلاد بعد تنفيذ العقوبة المقضي بها عليه عملاً بنص المادة 79/2 من قانون الجزاء، وتصادر المضبوطات عملاً بنص المادتين 39/1 من قانون مكافحة المخدرات، و49/1 من قانون مكافحة المؤثرات العقلية.

وذكرت المحكمة أنها لهذه الأسباب، حكمت حضورياً ببراءة المتهم من التهم الأولى والثانية والثالثة المتعلقة بحيازته للمواد المخدرة والمؤثرات العقلية بقصد الاتجار، ووقضت بالنسبة لتهمة التعاطي بحبسه ثلاث سنوات وتغريمه مبلغاً وقدره ألفا دينار مع الشغل والنفاذ عن التهمة الرابعة وإبعاده عن البلاد بعد تنفيذ العقوبة المقضي بها عليه ومصادرة المضبوطات.