حتى متى؟!
نجتر تاريخنا الممتد عبر القرون، من دون أن نخضعه للبحث والتمحيص العقلي، فصار وكأنه يجب علينا التسليم بكل ما جاء به من أحداث باعتبارها من المقدسات التي لا تقبل المساس!وما التقاتل والكراهية السائدة بيننا الآن، اللذين جعلا من حياتنا الراهنة مضرب الأمثال بالهمجية والتخلف، سوى انعكاس لذلك الموروث الذي كانوا قد أورثونا إياه مَن أكلوا الحصرم، وتركوا لنا التضريص المميت حتى الساعة!
• لما التقيت السيد محمد حسين فضل الله، وهو عالم، فقيه، ومثقف، وشاعر، توجهت إليه بالسؤال التالي:• لماذا توقفت عن نشاطك، بعد أن خرجت أصوات تطالب بمقاطعتك؟!قال: - أولاً: إن نشاطي لم ينقطع كما ترى، وبابي مفتوح للجميع، ولكن هذا لا يمنع من أن هناك اختلافات لي في الاجتهادات من وجهة النظر في المسائل التاريخية!• مثل ماذا سيدنا؟!- مثلاً: أنا لي وجهة نظر في ما يتعلق بواقعة الخليفة عمر بن الخطاب الذي قام بكسر ضلع السيدة فاطمة الزهراء! فهذا المنطق لا يستقيم، ومنافٍ للعقل، فالسيدة فاطمة (عليها السلام) سيدة نساء العالمين - كما وصفها رسول الله، صلى الله عليه وسلم - ثم إنه من غير المنطقي أو المعقول أن يأتي الخليفة عمر بن الخطاب إلى بيتها - بعد وفاة أبيها بيومين - ثم يحصرها خلف الباب فتطرح جنينها، الذي أسماه رسول الله محسناً؟! ومع الأسف هناك كثيرون ممن يرددون هذه الرواية ويؤمنون بها أشد الإيمان!! ولكنني أبديت تحفظاتي وقدمت تبريراتي، وبكل أسف جوبه كل ذلك بالرفض لدى العديد من المؤسسات في العالم، بل وخرجت المظاهرات محتجة على إبدائي مثل هذا الرأي!• هل يعقل - يا سيدنا - أن يحدث ذلك لسيدة نساء العالمين، وفي حضور زوجها الإمام علي؟! وهو فارس كما نعلم، ويرى زوجته تُعصر أمامه؟!- هذا ما كنت أقوله، لكن أنصار اشتداد بذرة العداء بين أبناء الدين الواحد، ما سرّهم قولي هذا! من هنا تجد أن البعض صار يتجنب الاحتكاك بي، فضلاً عمّن هاجموني إيماناً منهم بصحة مثل هذه العينة من الروايات وسواها!وبالمناسبة فإن الروايات التي تثير البغضاء بين المسلمين منتشرة عند كلا الطرفين، سنّة وشيعة، وكلها تسري سريان النار في الهشيم لبذر التنابز بينهما!! ويا ويلنا ممن يغذون مثل هذه الخلافات مستندين إلى أحاديث لا يفكرون بها ولا يمحصونها، ولا يدرسون الظروف أو العصور التي قيلت فيها!* * *• كان الحوار مع السيد فضل الله طويلاً، تحدث فيه عن كثير من القضايا التاريخية غير المنطقية التي يتمسك بها البعض لتغذية الخلافات بين المسلمين، نشرته منذ 20 سنة في جريدة الشرق الأوسط، ثم أعدت نشره في كتابي «شخصيات عرفتها وحاورتها».وهأنذا أستشهد بهذا المقطع منه!إذ إن هناك كثيراً مما سوف أناقشه في هذه الزاوية، وهو مليء بخرافات الماضي التي أسقمت حياتنا في الوقت الراهن!