هل تنعم نيجيريا بالاستقرار؟
تبدو المخاطر التي تحدق بنيجيريا اليوم عالية، ليس بالنسبة إلى هذا البلد فحسب بل بالنسبة إلى القارة بأكملها، حيث تصوغ نيجيريا وجهات نظر إفريقيا ككل، صحيح أنها واجهت محناً مماثلة سابقاً ونجحت في تخطيها بطريقة ما، إلا أن تخطيها هذه المرة قد يكون أكثر صعوبة وإيلاماً.
رغم ما تعانيه نيجيريا من انقسامات إقليمية وإثنية ودينية منذ استقلالها عام 1960 فإنها تتمتع بتاريخ طويل من تخطي الصعوبات التي تدمر أمماً أخرى، لكن هذه الدولة التي تحتل المرتبة السابعة من حيث عدد السكان في العالم وتُعتبر أكبر اقتصاد في إفريقيا، لم تكن يوماً مهددة بقدر المرحلة الراهنة، لأنها تستعد لانتخاب رئيس بعد بضعة أيام.في المواجهة بين الرئيس الحالي غودلاك جوناثان والجنرال السابق محمد بخاري، الذي تبوأ منصب الرئيس فترة وجيزة خلال ثمانينيات القرن الماضي، تبدو عملية الاقتراع أشبه بمشهد متكرر، فقد تواجه هذان الرجلان في الانتخابات الأخيرة عام 2011، وفاز جوناثان بسهولة نسبية، لكن هذه المرة وبخلاف عمليات الانتخاب الأربع السابقة منذ عودة البلد من الحكم العسكري المستبد إلى الديمقراطية عام 1999، لا تبدو النتيجة محسومة.
يعود عدم اليقين هذا في جزء منه إلى الحجم الكبير للتحديات الراهنة، ولعل أبرزها التمرد المستعر والقاتل الذي تقوده بوكو حرام في الشمال الإسلامي من البلاد، والذي يتواصل بلا هوادة، رغم الإشارات إلى أن دول المنطقة تتحد لمواجهة هذا الخطر المشترك، ولا يُعتبر التراجع الكبير في أسعار النفط أخيراً أقل خطورة، فقد شكل تصدير هذه السلعة أساس أداء نيجيريا الاقتصادي المذهل في السنوات الأخيرة.أضف إلى هذه المشاكل الحالية تلك التي عانتها نيجيريا منذ البداية: انقسام بين الشمال الفقير والأقل اكتظاظاً بالسكان والجنول المسيحي الغني الذي يضم الجزء الأكبر من نفط هذا البلد وموارده الطبيعية الأخرى، والاختلافات الإثنية المتواصلة التي سرعان ما تتحول إلى أعمال عنف، والفساد المستشري، ورغم ذلك نجحت سفينة الدولة المتداعية في الحفاظ على تماسكها حتى اليوم، لكن الأمواج تبدو اليوم عاتية أكثر من أي وقت مضى. صحيح أن انتخابات عام 2011 سارت بهدوء وفق المعايير النيجيرية، إلا أنها زرعت بذور المشاكل المستقبلية، إذ كان جوناثان نائب الرئيس ورُفع إلى منصب الرئيس بدون انتخابات مع موت سلفه الرئيس المسلم عمر يارادوا قبل سنة من انتهاء عهده، لكن جوناثان مسيحي وباتخاذه قرار الترشح انتهك قاعدة نيجيريا غير المكتوبة عن تناقل السلطة مداورة بين الشمال والجنوب، وفي عام 2011 كان دور الشمال، وساهم استياء الشمال في تعزيز ترشح بخاري.ثمة عوامل أخرى أيضاً: جاء أداء جوناثان خلال السنوات الخمس التي أمضاها في سدة الرئاسة مختلطاً، وتراجعت أسعار النفط، ونعمت نيجيريا باقتصاد ناشئ حيوي يزداد تنوعاً، كذلك حظيت إدارته بالثناء بسبب رد فعلها السريع والقوي لاحتواء أزمة الإيبولا، لكن نيجيريا صُدمت من جراء عدد من فضائح الفساد الكبرى، في حين جاء أداء الجيش في مواجهة بوكو حرام ضعيفاً، وخصوصاً إخفاقه في استرجاع 200 طالبة خطفتها هذه المجموعة الإرهابية السنة الماضية.زادت الاستعدادات لعملية الاقتراع في 14 فبراير الطين بلة، فقد أدى التأخير في توزيع البطاقات الانتخابية الملائمة إلى المطالبة بتأجيل الانتخابات، لكن خطوة مماثلة في هذه المرحلة المتقدمة تُعتبر مستبعدة، خصوصاً أنها ستطيل حالة عدم اليقين الراهنة، بالإضافة إلى ذلك يشكل التلاعب بالأصوات لملء صناديق الاقتراع جزءاً لا يتجزأ من الديمقراطية النيجيرية، لكن النتائج المتقاربة التي تبدو اليوم محتملة ستمنح الخاسر أساساً أقوى للشكوى، مما يزيد خطر اندلاع أعمال العنف عقب الانتخابات.إذاً، تبدو المخاطر اليوم عالية، ليس بالنسبة إلى هذا البلد فحسب بل بالنسبة إلى القارة بأكملها، حيث تصوغ نيجيريا وجهات نظر إفريقيا ككل، صحيح أنها واجهت محناً مماثلة سابقاً ونجحت في تخطيها بطريقة ما، إلا أن تخطيها هذه المرة قد يكون أكثر صعوبة وإيلاماً.