ما قل ودل: الغرامات المالية على الوافدين أزمة إدارة أم أزمة دستور وقانون؟ (1)

نشر في 28-12-2014
آخر تحديث 28-12-2014 | 00:01
 المستشار شفيق إمام تعميم خلق أزمة

ذلك هو التعميم رقم 21 لسنة 2014 الصادر في 8 ديسمبر الجاري والموجه إلى مديري الإدارات بوزارة الداخلية، استهل بما لوحظ بأن بعض المقيمين لم يحدثوا بياناتهم، عند تمديد صلاحية جوازاتهم أو تجديد هذه الجوازات، بعد انتهاء صلاحية الجواز.

وطالب التعميم الإدارات المختصة، عند تجديد إقامات الوافدين، بالتحقق من أن المقيم قد حدّث البيانات في الحاسب الآلي في المواعيد المحددة لذلك، وهى مدة شهرين من تاريخ انتهاء الجواز، ومدة شهر من تاريخ دخول البلاد في حالة تجديد جواز السفر خارج البلاد، وأوجب التعميم على الإدارات المختصة تحصيل الغرامات من المقيمين المخالفين لقاعدة تحديث البيانات.

تفسير جديد لقانون قديم

وقيل في تبرير التعميم، إنه تفعيل لقانون قديم، وإن سيادة الدولة والأمن الوطني في الميزان، وإنه لا عودة إلى الوراء،

ويصرح مصدر مسؤول، بأن انتهاء صلاحية الجواز يعني سقوط الإقامة، وأنه يجب ربط مدة الإقامة بفترة صلاحية جواز السفر.

وأخذت أتقصى الأمر من جميع جوانبه الدستورية والقانونية والمنطقية والواقعية والإنسانية، فلم أجد تفسيراً واحداً لهذه الأزمة، أو تبريراً مقنعاً لما يحدث على هذه الأرض الطيبة، إلا أنها أزمة إدارة، وتفسير جديد لقانون قديم لا تفعيل لقانون قديم، كما قيل تبريراً لهذه الأزمة، وقد أوقع أصحاب هذا التفسير والتبرير أنفسهم في مأزق دستوري وقانوني، فالقوانين تنفذ من التاريخ الذي حدده المشرع للعمل بها، وإن ترك تطبيقها أو الإهمال في هذا التطبيق يرتب المسؤولية السياسية والقانونية.

أزمة إدارة وتفسير

فالمادة (12) من قانون إقامة الأجانب رقم 17 لسنة 59 وإن استهلت أحكامها بأنه يجوز للأجنبي الحصول على ترخيص بالإقامة العادية مدة لا تجاوز خمس سنوات، إلا أن خطابها الأساسي المستفاد من دلالة عبارات النص ومن تفسير نصوص القانون، باعتباره وحدة واحدة، هو أنها توجه خطاباً إلى إدارات تراخيص الإقامة يقيدها في إصدار هذه التراخيص بقيدين أساسيين، أولهما: ألا تجاوز مدة الإقامة خمس سنوات، وثانيهما: أن يظل جواز سفر المقيم صالحا للعمل به، طيلة مدة الإقامة.

وقد اطردت الإدارات المختصة بالداخلية، على الترخيص للأجانب بإقامة تجاوز مدة صلاحية الجواز وذلك تخفيفا للعبء الواقع عليها من ناحية، وتيسيراً على المقيمين من ناحية أخرى.

وهو مسلك قويم وسليم من إدارة رشيدة تحسن أداء عملها، وتطبق روح القانون، خصوصاً أن الترخيص بالإقامة يكون معلقا على شرط فاسخ، هو عدم تجديد المقيم لجواز سفره، فإن لم يجدده تحقق الشرط الفاسخ وسقطت الإقامة تلقائيا، واعتبر مخالفاً لقانون الإقامة الذي جرم هذا الفعل وعاقب عليه في المادة (24) وأجاز في المادة (24 مكرر) قبول الصلح من المتهم بدفع دينارين عن كل يوم تأخير، على ألا يزيد مبلغ الصلح على ستمئة دينار.

أما إذا جدد المقيم جواز سفره في الموعد المحدد لهذا التجديد، فإن الإقامة المسجلة على الجواز تستمر صالحة للمدة التي حددها ترخيص الإقامة، والتي سدد المقيم رسومها، ولا يكون هناك من إثم على المقيم أو عقاب إذا لم يزود الإدارة المختصة بأنه جدد مدة صلاحية الجواز، فالمادة (12) لم تتطلب إلا "أن يظل الجواز صالحاً للعمل به".

إمارة الإنسانية

وكنت أتمنى على المسؤول الذي برر تطبيق الغرامات المالية الممعنة في القسوة بقوله "إنه لا عودة إلى الوراء"، كنت أتمنى أن يدرك المعنى السامي لاختيار الأمم المتحدة صاحب السمو الأمير قائدا وأميراً للعمل الإنساني، على مستوى العالم كله، بأن هذا الاختيار الذي جاء منصفاً للكويت إنما يخلع على دولة الكويت أيضاً أنها إمارة الإنسانية، وأن هذا التكريم العالمي لصاحب السمو الأمير ولدولة الكويت، يفرض على كل مسؤول واجبات ومسؤوليات إنسانية لا حصر لها، سواء في تفسير القوانين أو في تطبيقها.

وإن المقيم هو جزء من نسيج المجتمع الكويتي، الذي صدر دستور الكويت ليظله بحمايته، فهذا الدستور هو وثيقة تقدمية لحقوق الإنسان، أقرت هذه الحقوق قبل أن تقرها الاتفاقية الدولية للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في الستينيات، فاستهلت المذكرة التفسيرية للدستور تصويرها لنظام الحكم بأن المعاني المتكاملة للدستور تلاقت عند أصل جوهري في بناء العهد الجديد، قام بمثابة العمود الفقري لهذا الدستور، وهو الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره، فلقد امتاز الناس في هذا البلد عبر القرون، بروح الأسرة تربط بينهم كافة.

وتوالت نصوص الدستور التي ترسخ القيم الإنسانية، في الحقوق والحريات التي كفلتها لكل إنسان ولم تقصرها على المواطنين، ومن هذه النصوص على سبيل المثال لا الحصر ما تنص عليه المادة 29 من "أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين"، وما تنص عليه المادة (7) من أن: "العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع"، وما تنص عليه المادة (34) من أن: "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع". ويحظر إيذاء المتهم جسمانيا أو معنوياً، وما تنص عليه المادة (166) من "أن حق التقاضي مكفول للناس كافة".

والسؤال المطروح: لماذا لا تجدد الإقامات وتوفر للمقيمين محاكمة قانونية عادلة ومنصفة أمام القضاء تؤمن له فيها ضمانات الدفاع عن حقوقه؟

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top