«أناديكم..

Ad

أشد على أياديكم

أبوس الأرض تحت نعالكم

وأقول أفديكم!»...

تلك النعال التي بجّلها الشاعر الفلسطيني الكبير توفيق زياد تستحق التّبجيل والإكرام بلا شك.

تلك كانت نعال أبناء الوطن المشردين في بقاع الأرض بفعل العدوان، والمهانين في أوطانهم بفعل القهر، والثوار الذين حملوا البندقية لاسترجاع شجرة الزيتون المنهوبة من بين أياديهم ظلما.

تلك نعال لم تخض في دماء أبناء شعبها.

لم تعبر أشلاء أطفالها منتشية بنصرها، مزهوة بما خلفه البارود فيهم من تواقيع.

لم تمش الخيلاء بين جثث نساء شعبها الموشومة بالرصاص،

ولم تتجول في أرجاء المدن والأحياء بين الأنقاض التي أبدعتها أيدي من تحمل أجسادهم النتنة على كتفيها، فرحين بالخرائب التي رسموها لوحة سريالية على تراب أوطانهم،

تلك النعال في قصيدة زياد لم تسلك درب العار، لم تتوغل في أحشاء شعبها منتزعة أنفاس ناسه.

لم تحاصرهم وتقف جدارا منيعا بين أطفال شعبها والحليب، ولا بين ذويهم والطعام.

كانت مشعلا يقودهم نحو بوابة الحرية والكرامة والعتق من الذل.

لا أعرف حقيقة متى ارتبط المثقفون العرب بالنعال والأحذية، هل كان ذلك قبل قصيدة زياد أم بعدها، إلا أن اللافت أن جماهيرية «البساطير» قد ازدادت في العقود الأخيرة بين المثقفين، وانتشرت «ثقافة الجِزم»، وأصبح الحذاء نجماً يكال له المديح وتكتب فيه قصائد الغزل، وكلما تلطخ الحذاء بالدم كان ذلك بمنزلة وسام ونيشان يساهم في اتساع شعبيته في أوساط المثقفين.

أذكر على سبيل المثال حذاء صدام حسين الذي سالت تحته قريحة الشعراء بالمدائح، وسال مداد الكتّاب بصحائف الثناء، وها هي الحال تتكرر مع بشار الأسد، ما يثير أسئلة في الفكر تُدمي، هل يعاني مثقفونا من الشيزوفرينيا؟! أم هم مصابون بالمازوشية؟! أم أن لديهم بوصلة إنسانية تتلو آيات التيه؟!

أم أنهم مجرد انتهازيين حقيرين؟! أم هم لوطيون بمحض إراداتهم، كما قال النواب ذات غضب؟! أم هو حقد مكبوت يسعد بوجود في كل ناحية في هذا الوطن العربي كربلاء؟! أم أن المثقفين كـ«اللبان» يلتصقون بالحذاء الذي يدوسهم بالأرض أكثر؟!

أسئلة لا تشفي محاولات الإجابة عنها غليلا.. ولا تفسر هذه الظاهرة الغريبة بين المثقفين العرب.

حتماً أنا لا أعمم، إلا أن ظاهرة التصاق مثقفين بأحذية السلطة و«بساطير» العسكر «ظاهرة» لمن لا يرى، وليست خافية على أحد.

لا أتحدث من منطلق السياسة، ولكن من منطلق الأخلاق، كيف يتعرى هؤلاء المثقفون أخلاقيا، ويتهتكون للحد الذي يناصرون فيه الجلاد ضد الضحية، خصوصاً إذا كان الضحية من أبناء الشعب الذي لا حول له ولا قوة، ومن ثم يخرج أحد هؤلاء المثقفين مالئاً شدقيه بالزبد، منظراً بما لذ وطاب من الكلمات عن الحرية والعدالة والإنسانية؟!

 كيف يظن هذا «المفكر» أنه بالإمكان إقناعنا بأن نقتفيه في أحد الطريقين - الصواب والخطأ - وهو غير قادر أصلاً على أن يفرق بين نعلين؛ نعل الشعب ونعل السلطة!  

نعال توفيق زياد التي انحنى ليقبّل الأرض من تحتها، كانت نعال شعب ولم تكن نعال سلطة، وهذا ما جعل جبهة الشعر تسمو بها، وهذا هو الفرق يا «مثقفي الأحذية»!