وسط اشتعال وطننا العربي بحروب وحشية وموت يومي مجاني صرت أحرص، بين آن وآخر، على حضور فعاليات ثقافية وفنية عربية، وبما يعيد شيئاً من الفرح لقلبي، ويبثّ شيئاً من نثار الأمل في روحي. ومؤكد أن أنشطة وفعاليات "مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي- الرواية والسينما من القلم إلى الشاشة" التي عشتها خلال الأيام الماضية، كانت مرهماً لجروح الروح.

Ad

لفت أنظارنا نحن المدعوين للمهرجان تلك الحفاوة البالغة والترحيب الدافئ الذي أغدق به علينا كل من تعاملنا معه، وكأن عهداً يسري بين جميع القائمين على المهرجان لتقديم كل ما يمكن لإنجاحه.

"ملتقى السينما والرواية" حمل اسم "آسيا جبار" لأنشطته السينمائية، وفي ذلك دلالة مهمة للاحتفاء بأدب وعطاء المرأة العربية، خاصة أن آسيا جبار (1936 - 2015) تعد وجهاً بارزاً من وجوه الرواية العربية المعاصرة، حتى أنها انتزعت مكانة رفيعة لتكون عضوة في "أكاديمية اللغة الفرنسية". كما أن الملتقى التفت إلى أحد أهم كتّاب الجزائر المعاصرين "رشيد بوجدرة" ليكون اسمه عنواناً لأنشطته الروائية.

إن وجود الشاعر والأديب عزالدين ميهوبي على رأس وزارة الثقافة، بتواضعه الجم ووصله الإنساني الجم مع كل أصدقائه من الأدباء والفنانين، أضاف للمهرجان والملتقى مذاقاً ونكهة خاصين. وأوصل للمشاركين رسالة حبٍّ مفادها أنكم بقرب صديقكم وليس أقل من أن تتشابك أياديكم معه لإنجاح المهرجان.

توزعت أعمال المهرجان بين مسابقات الأفلام الوثائقية والقصيرة والطويلة، وبين ملتقى الرواية الذي خصص جلساته الصباحية لمناقشة العلاقة الوطيدة بين الرواية والسينما، بينما ابتدع مسمى لطيفاً "مسامرات" ليشهد جلسات الشهادات الروائية بالعلاقة الحيوية التي تربط بين الروائي والسينما.

عجت ردهات الفنادق التي توزعت أعمال المهرجان والملتقى بينها بعدد كبير من الأدباء والفنانين والإعلاميين والمثقفين، وبما يعيد وصلاً عصياً بين الكاتب العربي وزميله. فاحتراب وحروب أوطاننا وشعوبنا العربية المؤلمة والمدمرة لم تدع لنا إلا وصلاً غالياً يجمعنا حول مائدة الفن والأدب.

احتفى المهرجان بأفلام عربية مهمة، وكرّس وجود الأديب العربي إلى جانب الفنان، بإدراك عالٍ أن الفن السينمائي هو انعقاد علاقة احترام وتقدير وتفهم لعمل كل منهما للآخر.

الشهادات الروائية التي انطلقت في مسامرات الملتقى، بإشراف وتنظيم وجهد مخلص ولافت من الروائي سمير قسيمي، وتشرفت بالمشاركة فيها إلى جانب كل من رشيد بوجدرة، وواسيني الأعرج، وإبراهيم نصرالله، ومحسن الرملي، ووحيد الطويلة، ومفلح العدوان، ومحمد مفلاح، وبشير المفتي، وبرهان الشاوي، ومحمود الغيطاني، ومجموعة من الكتّاب الشباب كانت قادرة على كشف الكثير من عوالم وقناعات وأسرار الكتابة لدى الكتّاب، وكانت من جهة أخرى تجديداً لعلاقات إبداعية وأخوية بينهم كأصحاب فن من جهة وبينهم وبين جمهور متعطش لمعرفة المشهد الروائي الجزائري كما الكويتي والفلسطيني والأردني والعراقي والمصري من جهة ثانية.

الوطن العربي كما العالم أجمع يعيش قريباً من نبض الرواية، ويعيش مستمتعاً بأعمال سينمائية تجسد عوالم الرواية، وفي ذلك علاقة جدلية بين السينما والرواية، لذا كان الجمع بين الفنين أمراً في غاية الأهمية، مما أضفى على نقاشات وحوارات الملتقى أهمية كبيرة. خاصة أن ذلك يأتي في وقت نحن كعرب أحوج ما نكون فيه لأن نخاطب الآخر بلغة يعشقها، ويحرص على متابعتها، وأعني بذلك لغة السينما.

لقد احتضنت الجزائر ووهران الباهية أعمال المهرجان والملتقى، وكانت باهية بطيب أهلها وكرمهم، وباهية أيضاً في أنها أعادت لأرواحنا نحن المشتغلين بكتابة الحياة كرواية، ورواية الحياة ككتابة بريق أملٍ نحن أحوج ما نكون إليه. فلقاءات الأدب والفن، صارت مكاناً نجتمع فيه حول الحياة، وحياة تعيدنا إلى صفاء أنفسنا.

تحية من القلب للجزائر ولوهران.