القضاء والشرطة
إن صَلُح القضاء صَلُح المجتمع، والعكس صحيح.فمثلاً المقولة المشهورة "المتهم بريء حتى تثبت إدانته" ناقصة، فليست كل إدانة عادلة، حيث يجب أن تكون "أمام محكمة عادلة، مستقلة، نزيهة، تتوافر للمتهم فيها كل الضمانات للدفاع عن نفسه". ولذا ركز المنطق الحقوقي على استقلالية القضاء ودعمه بالمعرفة الحقوقية ومستجداتها.
من هذا المنطلق، كنا نحاول منذ سنوات، إقامة الدورات التدريبية في حقوق الإنسان للقضاة ولوكلاء النيابة. وهي أبعاد معرفية أساسية للسلطة القضائية، وبالطبع لا نستثني القضاء الواقف (المحامين). وفعلاً تحققت الدورة أخيراً في الأسبوع الثاني من فبراير، من خلال مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، بالتعاون مع معهد الدراسات القضائية بالكويت، ويحسب ذلك لمدير المعهد المستشار عادل العيسى.تتوزع الدورة على أربع مراحل من شهر فبراير وتنتهي في شهر مايو، وقد بدأت بالأساسيات، وستنتهي بدورة تدريب المدربين، أي أن المنخرطين في الدورة من قضاة ووكلاء نيابة سيتمكنون من تدريب كوادر السلك القضائي بعد انقضاء الدورة في مايو، وهذا هو أفضل استثمار بشري في إصلاح القضاء وتدعيمه ليحقق رسالته الحقيقية في استتباب العدل. وقد شعرت، كمحاضر في الدورة، بدرجة الحماس والرغبة لدى منتسبي السلطة القضائية للتعلم في مجال حقوق الإنسان، وهذا بحد ذاته عنصر مشجع. ولعل الجيد في الدورة أنها ستكون لنفس المجموعة من القضاة ووكلاء النيابة حتى نهايتها، وكلنا أمل أن تنتهي الدورة بمراحلها الأربع إلى ما نتوخاه من خلق جهاز متمكن، في تكييف مسارات العدل بما يخدم كرامة الإنسان وحقوقه.وحيث إن المسيرة قد بدأت مع السلك القضائي، فإنه صار على وزارة الداخلية وأجهزة الأمن أن تولي هذه المسألة عناية بالغة.قبل عدة سنوات أَجريت دورة تدريبية في حقوق الإنسان لكبار ضباط وزارة الداخلية، والتي استمرت خمسة أيام، وأبدى الضباط المشاركون رغبتهم في تعلم المزيد لما لذلك من علاقة مباشرة بعملهم، بل إنهم، وعبر نظام المحاكاة، وجدتهم يضعون حلولاً متميزة لمشاكل حقوق الإنسان. ولكن ذلك المسعى توقف، ونأمل أن تعيد الداخلية إحياء تلك الدورات لما لذلك من فائدة للمجتمع عموماً ولجهاز الداخلية خصوصاً.بالطبع المسائل المعرفية والتوعوية تأخذ وقتاً، ولكنها الطريق السليم نحو الإصلاح.